وفرق بالمدينة الشريفة مالا جزيلا ستة آلاف دينار أو أكثر ، ودفع إليّ على يد إمامه المشار إليه من ذلك جزءا وافرا ، وتكلمات معه في رفع مكوس المدينة وتعويض أميرها عن ذلك شيئا ، فأفهم الوعد به ، وسألني عن أمر دار العباس التي اشتريت له ، وكانت سببا في قتل القضائي الزكوي تغمده الله تعالى برحمته لعدم السياسة في أخذها ، فأخبرته بحقيقة الحال ، فقال : لم لم تكتب إليّ بهذا؟ فاعتذرت له بعذر قبله ، وتبرأ من جميع ما فعلوا فيها ، ووعد بما يكون فيه صلاح أمرها ، ثم وفى بذلك بعد عوده ، فزادهم مبلغا كثيرا رضوا به ، وتفضل بالتشريف بطلب الكتابة إليه بما يكون فيه صلاح أحوال المدينة والتنبيه على من يردها من المحتاجين.
ثم توجه في الرابع والعشرين من الشهر المذكور مصحوبا بالسلامة إلى مكة المشرفة ماشيا على أقدامه بين فقراء المدينة وفقهائها حتى خرج من باب المدينة ، فوقف هناك ، وقرأنا له الفاتحة ، ثم ركب جواده ، أدام الله تأييده وحرسه من الردى ، وأنار له طرق الحق والهدى.
ثم قدمت مكة صحبة الحاج الشامي فوجدته قد سلك بها مسلك التواضع أيضا ، وتصدق فيها بمال جزيل أكثر مما تصدق بالمدينة الشريفة.
ولما اجتمعت بإمامه المشار إليه بمكة المشرفة تذاكرنا الصدقة الشريفة بالمدينة الشريفة وعمومها ، وما حصل بها من النفع ، فذكرت له أن أربعة من فقراء المغاربة لم يأخذوا شيئا لملازمتهم لرباطهم ، وعدم إتيانهم لمن كان يفرق ، وأن شخصا آخر مستحقا كنت أود لو حصل له أكثر مما دفع له ، فبلغ ذلك السلطان ، فلما كان في أوسط أيام منى توجهت لوداع الإمام المشار إليه ، فأشار بموادعة السلطان ، فقلت له : أخشى أن يتوهم أن المجيء لقصد آخر ، فقال : لا بد من موادعته ، فتوجهنا إليه فحصل منه من الإكرام ما أطلب له الجزاء عليه من أكرم الأكرمين ، ثم قال : أنتم ذكرتم للإمام كيت وكيت ، فلم ينس ما تقدم ذكره من أمر جماعة الفقراء ، فقلت له : نعم ، فأمر لهم بمائة دينار أقسمها عليهم لكل واحد عشرون دينارا ، ثم قال : هل بقي أحد؟ فقلت له : ما أستحضر أحدا ، ورأيت له اهتماما تاما بتعميم جيران الحضرة الشريفة ، ووادعني قائما وسأل عن أمر الطابق المذكور لما قدمنا مكة ، وأمر بأن لا يفتح ، وأن يسد بعد ذلك ، فلما بلغ شيخ الخدام بالمدينة الشريفة منع من فتحه عند قدوم الحاج المصري في هذا العام ، ولكن بقي سده ، فإن الطريق في قطع الشر قلع أصوله ، وقد وعد بسده.
وقف السلطان قايتباي لأهل المدينة المنورة
ثم إن السلطان أيده الله تعالى رجع إلى مصر مصحوبا بتأييد الله ونصره ، فبلغنا أنه