المحراب الأول ، وكتبوا في ذلك بالرخام بروز الأمر بتجديد عمارة الحجرة الشريفة من السلطان الأشرف قايتباي ـ أعز الله أنصاره! ـ وأن ذلك على يد الخواجا الجناب الشمسي ابن الزمن ، وتاريخ العمارة المذكورة ، كل ذلك مكتوب بالرخام في أعلى محراب الأسطوانة المذكورة ، ثم لما جاء الحريق الحادث بعد تمام هذا التأليف أزال ذلك كله ، ثم اقتضى رأيهم عند بناء الدعائم التي اتخذوها للقبة المحاذية لأعلى الحجرة والعقود التي خلفها إبدال هذه الأسطوانة بدعامة اتخذوا فيها محرابا.
وهذه الأسطوانة آخر الأساطين التي ذكر لها أهل التاريخ فضلا خاصا ، وإلا فجميع سواري المسجد الشريف لها فضل ؛ ففي البخاري من حديث أنس قال : لقد أدركت كبار أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم يبتدرون السواري عند المغرب ، قال ابن النجار : فعلى هذا جميع سواري مسجد النبي صلىاللهعليهوسلم يستحب الصلاة عندها ؛ لأنه لا يخلو أن كبار الصحابة صلوا إليها ، والله أعلم.
الفصل الثامن
في الصّفة وأهلها ، وتعليق الأقناء لهم بالمسجد
وصف الصفة وموضعها
قال عياض : الصفة ـ بضم الصاد وتشديد الفاء ـ ظلة في مؤخر مسجد النبي صلىاللهعليهوسلم ، يأوي إليها المساكين ، وإليها ينسب أهل الصّفة على أشهر الأقاويل.
وقال الحافظ الذهبي : إن القبلة قبل أن تحوّل كانت في شمالي المسجد ، فلما حوّلت القبلة بقي حائط القبلة الأعلى مكان أهل الصفة.
وقال الحافظ ابن حجر : الصفة مكان في مؤخر المسجد النبوي مظلل أعد لنزول الغرباء فيه ممن لا مأوى له ولا أهل ، وكانوا يكثرون فيه ويقلون بحسب من يتزوج منهم أو يموت أو يسافر.
وقد سرد أسماءهم أبو نعيم في الحلية فزادوا على المائة ، وقد أخرج أبو نعيم في الحلية من مرسل الحسن قال : بنيت صفّة في المسجد لضعفاء المسلمين.
وقال المجد نقلا عن الدارقطني : الصفة هي ظلة كان المسجد في مؤخرها ، ثم قال المجد : وذكر ابن جبير في رحلته عند ذكر قباء قال : وفي آخر القرية تلّ مشرف يعرف بعرفات يدخل إليه على دار الصفة حيث كان عمار وسلمان وأصحابهما المعروفون بأهل الصفة ، وكأن هذا وهم ، والله أعلم.
قلت : يظهر من قول عياض فيما قدمناه عنه «على أشهر الأقوال» أن في ذلك خلافا ؛ فيكون ما ذكره ابن جبير أحد الأقوال ، لكنه مرجوح أو مؤول بأن من ذكر من أهل الصفة اتخذوا تلك الدار بعد ، فاشتهرت بذلك.