سيفه ، فرآه على الصخرة ، وإذا ما هناك يومئذ أندر لغلام من بني إسرائيل ، فأتاه داود عليهالسلام. فقال : إني قد أمرت أن أبني هذا المكان بيتا لله تعالى ، فقال له الفتى : الله أمرك أن تأخذ مني بغير رضاي؟ قال : لا ، فأوحى الله إلى داود إني قد جعلت في يدك خزائن الأرض فأرضه ، فأتاه داود عليهالسلام فقال : إني قد أمرت برضاك ، فلك بها قنطار من ذهب ، فقال : قد قبلت ، فيا داود هي خير أم القنطار؟ فقال : بل هي ، قال : فأرضني ، قال : فلك بها ثلاث قناطير ، فلم يزل يشدد على داود حتى رضي منه بتسع قناطير ، قال العباس رضياللهعنه : اللهم لا آخذ لها ثوابا ، وقد تصدقت بها على جماعة المسلمين ، فقبلها عمر ، فأدخلها في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
قلت : وهذا يفهم أن داود صلوات الله وسلامه عليه بنى بين المقدس ، وأنه أول من بناه ، والرواية المتقدمة تقتضي أن سليمان صلوات الله وسلامه عليه هو الذي بناه ، ويؤيده ما روى الطبراني من حديث رافع بن عميرة مرفوعا قال : قال الله عزوجل لداود : ابن لي بيتا في الأرض ، وإن داود ـ عليهالسلام ـ بنى المسجد ، فلما تم السور سقط ثلثاه ، فشكا ذلك إلى الله تعالى ، فأوحى الله إليه إنه لا يصلح أن يا بني لي بيتا ، وذكر قصة غير ما تقدم ، فشق ذلك على داود ، فأوحى الله تعالى إليه : إني سأقضي بناءه على يد ابنك سليمان.
وروى النسائي من حديث عمرو بن العاص مرفوعا بإسناد صحيح أن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل الله تعالى خلالا ثلاثا ـ الحديث.
وسواء كان الباني له داود أو سليمان عليهماالسلام يشكل عليه ما في الصحيحين عن أبي ذر : سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن أول مسجد وضع على الأرض ، فقال : المسجد الحرام ، قلت : ثم أي؟ قال : المسجد الأقصى ، قلت : وكم بينهما؟ قال : أربعون عاما ، ووجه الإشكال كما ذكره ابن الجوزي أن إبراهيم عليهالسلام بنى الكعبة وبينه وبين سليمان أكثر من ألف سنة ، وقد مشى ابن حبان على ظاهر الحديث المذكور ، فقال : فيه رد على من زعم أن بين داود وإبراهيم ألف سنة ، ولو كان كما قال لكان بينهما أربعون سنة ، وهذا عين المحال ؛ للاتفاق على طول الزمان بين إبراهيم وموسى عليهماالسلام ، ثم إن نص القرآن أن قصة داود في قتل طالوت كانت بعد موسى بمدة.
وأجاب ابن الجوزي بأن الإشارة في حديث الصحيحين إلى أول البناء ، ووضع أساس المسجد ، وليس إبراهيم أول من بنى الكعبة ، ولا سليمان أول من بنى بيت المقدس ؛ فقد روى أن أول من بنى الكعبة آدم ، ثم انتشر ولده في الأرض ، فجائز أن يكون بعضهم قد وضع بيت المقدس بعد ذلك بأربعين سنة ، ثم بنى إبراهيم الكعبة بنص القرآن.