الفصل السابع عشر
فيما اتخذه عمر في المسجد في زيادة الوليد من المحراب والشّرفات والمنائر ،
واتخاذ الحرس ، ومنعهم من الصلاة على الجنائز فيه
أول من أحدث المحراب والشرفات
أسند يحيى عن عبد المهيمن بن عباس عن أبيه قال : مات عثمان وليس في المسجد شرفات ولا محراب ، فأول من أحدث المحراب والشرفات عمر بن عبد العزيز ، وعن القاسم وسالم أنهما نظرا إلى شرفات المسجد فقالا : إنها من زينة المسجد ، وأسند أيضا من طريق ابن زبالة ورأيته فيه أن عمر بن عبد العزيز هو الذي عمل الرصاص على طنف (١) المسجد والميازيب التي من الرصاص ، فلم يبق من الميازيب التي عمل عمر بن عبد العزيز غير ميزابين : أحدهما في موضع الجنائز ، والآخر على الباب الذي يدخل منه أهل السوق الذي يقال له باب عاتكة ، ولم يكن للمسجد شرفات حتى عملها عبد الواحد بن عبد الله النصري ، وهو وال على المدينة ، سنة أربع ومائة ، انتهى.
فهذا يقتضي أن عمر بن عبد العزيز لم يحدث الشرفات في زيادة الوليد ، بل ولا في زمن خلافته بعده ، لأن وفاته كانت في رجب سنة إحدى ومائة.
وفي سنن البيهقي عن أنس عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «ابنوا المساجد واتخذوها جماء» وعن ابن عمر : نهانا ـ أو نهينا ـ أن نصلي في مسجد مشرف.
قال أبو عبيد : الجم التي لا شرف لها ، حكاه في شرح المهذب.
قال الزين المراغي : وليس للمسجد شرفات منذ حريقه ، وقد جددت له شرفات سنة سبع وستين وسبعمائة في أيام الأشرف شعبان بن حسين بن محمد صاحب مصر ، انتهى.
والمراد بالشرفات المذكورة ما على ما أحاط بجدرات صحن المسجد من جوانبه الأربعة ، وبينها فرج شبه طاقات الشباك ، وهي المرادة فيما حكاه البدر بن فرحون عن القاضي فخر الدين بن مسكين الفقيه الشافعي أنه كان يجلس في مصلاه حتى تطلع الشمس فيصلي الضحى ، وأنه رأى الناس يرتقبون بصلاتهم الشيخ أبا عبد الله بن فرحون ولد البدر ، قال : وكان يقوم إذا وصلت الشمس في الحائط الغربي إلى تحت الشبابيك الصغار ، قال : فاجتمعت به ، وكنت به جاهلا ، فقلت له : رأيتك تقوم للضحى قبل وقتها ، وقد نهى النبي
__________________
(١) الطنف : ما برز من الجبل ونحوه ، وكأنه جناح. و ـ السقيفة تشرع وتبنى فوق باب الدار ونحوها للوقاية من المطر. و ـ إفريز الحائط. و ـ ما أشرف خارجا عن البناء.