مشهد حمزة
أحدها : مشهد سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، عم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ورضي الله تعالى عنه. وسيأتي ذكره مع شهداء أحد في الفصل بعده ، وعليه قبة عالية حسنة متقنة ، وبابه مصفح كله بالحديد بنته أم الخليفة الناصر لدين الله أبي العباس أحمد بن المستضيء ، كما قاله ابن النجار ، وذلك في سنة تسعين وخمسمائة ، قال : وجعلت على القبر ملبنا من ساج ، وحوله حصباء ، وباب المشهد من حديد ، يفتح كل يوم خميس ، وقريب منه مسجد يذكر أنه موضع مقتله ، انتهى. وتبعه عليه من بعده. ووصفه القبر بأن عليه ملبن خشب ، يعني أنه كهيئة قبر سيدنا إبراهيم ، فإنه عبر فيه بذلك أيضا ، وقبر سيدنا إبراهيم على ذلك الوصف اليوم ، وكذلك الحسن والعباس.
وأما قبر حمزة فإنه اليوم مبني مجصّص بالقصّة لا خشب عليه ، وفي أعلاه من ناحية رأسه حجر فيه بعد البسملة : (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [التوبة : ١٨] هذا مصرع حمزة بن عبد المطلب عليهالسلام ، ومصلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، عمره العبد الفقير إلى رحمة ربه حسين بن أبي الهيجاء ، غفر الله له ولوالديه سنة ثمانين وخمسمائة ، انتهى.
وهذا قبل عمارة أم الناصر بعشر سنين ، وابن النجار إنما قدم المدينة بعد ذلك ؛ لأنه ألّف كتابه سنة مجاورته بها ، ومولده سنة ثمان وسبعين وخمسمائة ، فمقتضى ذلك أن ابن النجار أدرك القبر وهو بهذه الهيئة من الكتابة ، وقد صرح بخلافها ، وأيضا فالتعبير في تلك الكتابة بمصرع حمزة وتصديره بالآية دليل الخطأ في إثبات ذلك المسن هناك ، فالصواب أن ذلك المسن كان بالمسجد المعروف اليوم بالمصرع ، وكأنه لما تهدّم نقل إلى المشهد لقربه منه ، ثم لما تكسر الخشب الذي ذكر ابن النجار أنه كان على القبر بنوا القبر على هذه الهيئة ، وظنوا أن ذلك المسن لوضعه بالمشهد يتعلق به ، فأثبتوه بالقبر. ويؤيد ذلك أن نسبة عمارة القبة لأم الخليفة في التاريخ المذكور موجودة اليوم بالكتابة الكوفية نقشا في جدار المشهد بالجص ، واقتلع الشجاعي شاهين شيخ الحرم المسنّ المذكور وأعاده إلى محله بالمصرع ، ومقتضى ما سبق عن ابن النجار ومن تبعه أن أم الخليفة الناصر لدين الله هي أول من اتخذ المشهد المذكور على سيدنا حمزة رضي الله تعالى عنه ، وسيأتي في الفصل بعده عند ذكر قبر حمزة رضي الله تعالى عنه عن عبد العزيز بن عمران أنه كان على قبر حمزة قديما مسجد ، وذلك في المائة الثانية ، فكأن أم الخليفة وسّعته وجعلته على هذه الهيئة الموجودة اليوم ، وقد زاد فيه سلطان زماننا الأشرف فانتباي أعز الله نصره زيادة من جهة المغرب أدخل فيها البئر التي كانت خارجة في غربيه ، واتخذ هناك أخلية لمن يريد الطهارة ، وجعل بعضها بالسطح ، فعمّ النفع بذلك ،