وروى ابن شبة عن أنس بن مالك مرفوعا «لما تجلّى الله عزوجل للجبل طارت لعظمته ستة أجبل ، فوقعت ثلاثة بالمدينة وثلاثة بمكة ، وقع بالمدينة أحد وورقان ورضوى ، ووقع بمكة حراء وثبير وثور».
موقع أحد من المدينة المنورة
قال أبو غسان راويه : فأما أحد فبناحية المدينة على ثلاثة أميال منها في شاميها ، وأما ورقان فبالروحاء من المدينة على أربعة برد ، وأما رضوى فبينبع على مسيرة أربع ليال ، وأما حراء فبمكة وجاه بئر ميمون ، وثور أسفل مكة هو الذي اختفى فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم في غاره.
قلت : ولم يبين ثبيرا ، وما ذكره من المسافة إلى أحد يقرب مما حررته ، فإني ذرعت ما بين عتبة باب المسجد النبوي المعروف بباب جبريل وبين المسجد الملاصق لجبل أحد المعروف بمسجد الفتح فكان ذلك ثلاثة أميال وزيادة خمسة وثلاثين ذراعا ، وأما ما بين باب المدينة المعروف بباب البقيع وبين أول جبل أحد فميلان وأربعة أسباع ميل يزيد يسيرا ، وبين باب البقيع ومشهد سيدنا حمزة ميلان وثلاثة أسباع ميل وخمس سبع ميل ، وأذرع يسيرة ، وقد علم بذلك التسامح الذي في قول النووي في تهذيبه : أحد بجنب المدينة على نحو ميلين ، وكذا قول المطري ومن تبعه : بين مشهد حمزة والمدينة ثلاثة أميال ونصف أو ما يقاربه ، وإلى جبل أحد نحو أربعة أميال ، وقيل : دون الفرسخ ، انتهى.
وجه تسمية أحد وحبه
وقال السهيلي : سمي هذا الجبل أحدا لتوحده وانقطاعه عن جبال أخرى هناك ، ولما وقع من أهله من نصر التوحيد.
وللعلماء في معنى قوله صلىاللهعليهوسلم «يحبنا ونحبه» أقوال :
أحدها : أنه على حذف مضاف ، أي أهل أحد ، وهم الأنصار ؛ لأنهم جيرانه.
ثانيها : أنه للمسرة بلسان الحال ؛ لأنه كان يبشره إذا رآه عند القدوم بالقرب من أهله ، وذلك فعل المحب.
ثالثها : أن الحب من الجانبين على الحقيقة ، وأنه وضع فيه الحبّ كما وضع في الجبال المسبحة مع داود ، وكما وضعت الخشية في الحجارة التي قال الله فيها (وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) [البقرة : ٧٤] سيما وقد جاء أنه طار من الجبل الذي تجلى الله عزوجل له كما سبق ، وهذا الثالث هو الذي صححه النووي ، وقال الحافظ ابن حجر : إن الظاهر أن ذلك لكونه من جبال الجنة ، كما ثبت في حديث أبي عبس بن جبر مرفوعا «جبل أحد يحبنا ونحبه ، وهو من جبال الجنة» أخرجه أحمد ، ولا مانع في جانب الجبل من إمكان المحبة ،