وقول أبي بكر بن موسى «السقيا بئر بالمدينة منها كان يستقى لرسول الله صلىاللهعليهوسلم» محمول على هذا ؛ لأن الفرع من عمل المدينة ، ثم قال : وأما البئر التي على باب المدينة بينها وبين ثنيّة الوداع أي المدرج بها كما سيأتي عنه فيظنها أهل المدينة أنها هي السقيا المذكورة في الحديث ، قال : والظاهر أنه وهم ، قال : ومما يؤكد ذلك قوله في الحديث «من بيوت السقيا» ولم يكن عند هذا البئر بيوت في وقت ، ولم ينقل ذلك ، وأيضا إنما استعذب له صلىاللهعليهوسلم الماء من السقيا لما استوخموا مياه آبار المدينة ، قال : وهذه البئر التي ذكرناها ـ أي التي بين المدينة والمدرج ـ كانت لسعد بن أبي وقاص فيما حكاه المطري ، قال يعني المطري : ونقل أن النبي صلىاللهعليهوسلم عرض جيش بدر بالسقيا التي كانت لسعد ، وصلى في مسجدها ، ودعا هنالك لأهل المدينة ، وشرب صلىاللهعليهوسلم من بئرها ، ويقال لأرضها «الفلجان» بضم الفاء والجيم ، وهي اليوم معطّلة ، وكانت مطمومة فأصلمها بعض فقراء العجم ، اه.
قلت : حمله لكلام أبي بكر بن موسى على ما ذكره ونقله ما جاء في السقيا المذكورة عن المطري يقتضي أنه لم يقف على ما قدمناه عن ابن زبالة وابن شبة ، وأنه لا يرى أن بالمدينة نفسها بئرا تسمى بالسقيا ، وهو وهم مردود ، مع أن المعتمد عندي أن السقيا التي جاء حديث الاستعذاب منها إنما هي سقيا المدينة ، وذلك لوجوه :
الأول : إيراد ابن شبة للحديث في ترجمة آبار المدينة التي كان يستقى له صلىاللهعليهوسلم منها.
الثاني : قرنه لذلك بحديث عرض جيش بدر بها ، وإيراد ابن زبالة في سياق آبار المدينة ، والسقيا التي من عمل الفرع ليست من طريق النبي صلىاللهعليهوسلم إلى بدر ؛ لأن تلك الطريق معروفة ، والسقيا المذكورة معروفة أيضا ، وليست في جهتها كما سيأتي في بيان محلها ، وأيضا ففي حديث جابر المتقدم أنهم اعترضوا بالسقيا عند قتال اليهود بحسيكة مع بيان أن حسيكة بالمدينة نفسها إلى الجرف.
الثالث : ما تقدم أيضا من أنها كانت لبعض بني زريق من الأنصار ، وتحريض والد جابر له على شرائها ، وأن سعدا سبقه لذلك.
الرابع : ما تقدم في رواية الواقدي من أنه كان يستقي له صلىاللهعليهوسلم منها مرة ومن بئر غرس مرة ، ويبعد كلّ البعد قرن السقيا التي هي على يومين بل أيام من المدينة كما سيأتي ببئر غرس التي هي بالمدينة.
الخامس : ما في رواية الواقدي أيضا من أن المتعاطي لذلك أبناء أسماء أنس وهند وحارثة ، ومثل هؤلاء إنما يستقون من المدينة وما حولها ؛ لأن سقيا الفرع تحتاج إلى جمال ورجال.
السادس : ما قدمناه في مسجد السقيا من إيراد الأسدي له في المساجد التي تزار بالمدينة ، ثم ذكر في المساجد التي بين الحرمين مسجد السقيا التي هي من عمل الفرع.