وذكر ابن عبد البر في خبر سلمان أن النبي صلىاللهعليهوسلم اشتراه من قوم من اليهود بكذا وكذا درهما ، وعلى أن يغرس لهم كذا وكذا من النخل ، يعمل فيها سلمان حتى يدرك ، فغرس رسول الله صلىاللهعليهوسلم النخل كله إلا نخلة غرسها عمر فأطعم النخل كله إلا تلك النخلة ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم من غرسها؟ قالوا : عمر ، فقلعها رسول الله صلىاللهعليهوسلم وغرسها فأطعمت من عامها ، وفي رواية أن تلك الودية التي لم تثمر غرسها سلمان.
قلت : والفقير اسم الحديقة بالعالية قرب بني قريظة ، وقد خفي ذلك على بعضهم فقال كما نقله ابن سيد الناس : قوله «بالفقير» الوجه إنما هو بالعفير ، انتهى. والصواب أنه اسم لموضع ، وليس هو من صدقات النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقد ذكر ابن شبة في كتاب صدقة علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه الذي كان بيد الحسن بن زيد ما لفظه : والفقير لي كما قد علمتم صدقة في سبيل الله ، لكنه سماه قبل ذلك في أخبار صدقاته بالفقيرين ، مثنّى ، فقال : وكان لي صدقات بالمدينة الفقيرين بالعالية وبئر الملك بقناة ، فالظاهر أنه يسمى بكل من اسمين ، وأهل المدينة اليوم ينطقون به مفردا بضم الفاء تصغير الفقير ضد الغني.
وقد ذكره ابن زبالة مفردا فيما رواه عن محمد بن كعب القرظي قال : كانت بئر غاضر والبرزتان قبضها رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأضيافه ، وكانت لكعب بن أسد ، وكان الفقير لعمر بن سعد ، وصار لعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه.
قال : وسمعت من يقول : كانت بئر غاضر والبرزتان من طعم أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم من أموال بني النضير.
قلت : وبئر غاضر اليوم غير معروفة ، وأما البرزتان فحديقتان بالعالية متجاورتان يقال لإحداهما البرزة وللأخرى البريزة مصغرة ، ووقع في النسخة التي وقفت عليها من كتاب ابن شبة : قال أبو غسان سمعت من يقول : كانت بئر غاضر والنويرتين من طعمه أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم ، وهما من أموال بني قريظة بعالية المدينة ، وقد قيل في ذلك إن بئر غاضر مما دخلت في صدقة عثمان في بئر أريس ، انتهى. وأظن قوله «النويرتين» تصحيفا ، وصوابه البرزتان كما في كتاب ابن زبالة لما قدمناه.
تحديد مواضع الصدقات والمعروف منها
وأما بيان مواضع صدقات النبي صلىاللهعليهوسلم المذكورة فقد تقدم أن الصافية وبرقة والدلال والميثب متجاورات بأعلى الصورين ؛ فالصافية معروفة هناك اليوم ، قال الزين المراغي : هي في شرقي المدينة الشريفة بجزع زهرة ، ورأيته ضبط بخطه زهيرة بضم الزاي مصغرة زهرة لاشتهاره في زمنه بذلك ، وإنما هو زهرة مكبر لما سيأتي في ترجمتها ، وبرقة معروفة أيضا في قبلة المدينة مما يلي المشرق ، ولناحيتها شهرة بها كما قال المراغي.