وسيأتي في قبر حمزة رضي الله تعالى عنه ما رواه ابن شبة من أنه لما قتل أقام في موضعه تحت جبل الرّماة وهو الجبل المذكور ، ثم أمر به النبي صلىاللهعليهوسلم فحمل عن بطن الوادي ، وهذا هو محل المسجد الثاني.
وأما هذا المسجد فقد روى ابن شبة فيه عن جابر أن النبي صلىاللهعليهوسلم صلّى الظهر يوم أحد على عينين الظرب الذي بأحد عند القنطرة ، وكأنه يعني بالقنطرة قنطرة العين التي كانت قديما هناك. وأشار إليها المطري بقوله عقب ذكر هذا المسجد : وقد تجدّدت هناك عين ماء ، جدّدها الأمير بدر الدين ودي بن جماز صاحب المد ، مفيضها بالقرب من هذا المسجد ، انتهى.
والعين اليوم دائرة ، وقد تقدم في غزوة أحد أن النبي صلىاللهعليهوسلم في ذهابه إلى أحد بات بالشيخان (١) وأدلج في السحر فانتهى إلى موضع القنطرة ، فحانت الصلاة فصلّى بأصحابه الصبح صفوفا عليهم السلاح ؛ فيحتمل : أن المراد بذلك هذا المسجد ، ويحتمل ـ وهو الأظهر ـ : أن يراد به المسجد الآتي ذكره عقبه ؛ لأن في رواية ابن شبة ذكر صلاة الظهر وأن الموضع من نفس الجبل عند القنطرة ، وفي هذه الرواية صلاة الصبح وأن ذلك في موضع القنطرة ، والله أعلم.
مسجد العسكر
ومنها : مسجد في شمالي المسجد المذكور قبله قرب عينين أيضا ، على شفير الوادي ، قد تهدم أكثره ، وكان مبنيا بالحجارة المنقوشة المطابقة على هيئة البناء العمري ، وفيه بقايا آثار الأساطين ، ولم أقف فيه على شيء سوى ما قدمته من الاحتمال الثاني في الرواية المتقدمة.
وذكر المطري أنه يقال : إنه مصرع حمزة رضي الله تعالى عنه ، وإنه مشى بطعنته من الموضع الأول إلى هناك فصرع رضي الله تعالى عنه.
وقد أشرنا فيما سبق إلى أصل ما جاء في أن الموضع الثاني مكان مقتله ، وإنما أثبتّه في المساجد ـ مع ما قدمته من أني لم أقف فيه على شيء صريح ـ لأن ابن شبة قال ما لفظه : قال أبو غسان : وقال لي غير واحد من أهل العلم من أهل البلد : إن كل مسجد من مساجد المدينة ونواحيها مبنيّ بالحجارة المنقوشة المطابقة فقد صلى فيه النبي صلىاللهعليهوسلم ، وذلك أن عمر بن عبد العزيز حين بنى مسجد النبي صلىاللهعليهوسلم سأل والناس يومئذ متوافرون عن المساجد التي صلّى فيها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم بناها بالحجارة المنقوشة المطابقة ، انتهى.
وقد ذكر هذا المسجد أبو عبد الله الأسدي من المتقدمين ، وسماه مسجد العسكر ، فقال
__________________
(١) الشيخان : موضع بالمدينة ، وهو معسكر الرسول عليه الصلاة والسلام ، يوم أحد.