وجه آخر عن محمد بن جبير عن عبد الرحمن ، ومن وجه آخر عن عبد الواحد بن محمد بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الرحمن لم يذكر فيه الركعتين ، بل ذكر السجود فقط ، فزاد عبد الواحد في حديثه : فسجدت لله شكرا. ورواه ابن زبالة بالطريق الأولى بلفظها ، إلا أنه قال : فقلت بأبي وأمي لقد سجدت سجدة أشفقت إلى آخره. ورواه ابن أبي الدنيا وأبو يعلى والبزار ، إلا أن في روايتهم : فجئته وقد خرج ، فاتبعته فدخل حائطا من حيطان الأسواق ، فصلى فأطال السجود ، فقلت : قبض الله روح رسوله صلىاللهعليهوسلم لا أراه أبدا ، فحزنت وبكيت ، فرفع رأسه ، فدعاني فقال : ما الذي بك؟ أو ما الذي وراءك؟ فقلت : يا رسول الله أطلت السجود فقلت قبض الله رسوله لا أراه أبدا ، فحزنت وبكيت ، قال : سجدت هذه السجدة شكرا لربي فيما أبلاني في أمتي أنه قال : من صلّى عليك منهم صلاة كتب له عشر حسنات ، وهذا اللفظ للبزار.
قلت : والأسواق قريبة من موضع هذا المسجد جدّا ، ويحتمل أن محل السجدة المذكورة ، بل هو الظاهر ؛ فلذلك أثبتناه. وحديث عبد الرحمن هذا أخرجه الإمام أحمد بلفظ : خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم فتوجّه نحو صدقته فدخل فاستقبل القبلة ، فخر ساجدا فأطال السجود حتى ظننت أن الله قبض نفسه فيها ، فدنوت منه ، فرفع رأسه وقال : من هذا؟قلت : عبد الرحمن ، قال : ما شأنك؟ قلت : يا رسول الله سجدت سجدة ظننت أن يكون الله قد قبض نفسك فيها ، فقال : إن جبريل أتاني فبشرني فقال : إن الله عزوجل يقول : من صلّى عليك صليت عليه ، ومن سلم عليك
سلمت عليه ، قال البيهقي في الخلافيات عن الحاكم قال : هذا صحيح ، ولا أعلم في سجدة الشكر أصح من هذا الحديث ، انتهى.
وقوله «نحو صدقته» ينبغي حمله على الرواية المتقدمة ، ولا يمتنع أن يكون بعض حوائط الأسواق كان من صدقة النبي صلىاللهعليهوسلم ، مع أن بالقرب منه موضعا يعرف قديما وحديثا بالصدقة ، أو أن القصة متعددة ، والله أعلم.
مسجد أبيّ بن كعب (بني جديلة) (البقيع)
ومنها : مسجد على يمين الخارج من درب البقيع على ما ذكره البرهان بن فرحون فإنه قال عقب ذكر المسجد المتقدم قبل هذا : إنه لم يرد فيه شيء يعتمد ، ثم قال : وكذلك المسجد في أول البقيع على يمين الخارج من درب الجمعة ، انتهى.
قلت : يعني الموضع الذي في غربي مشهد عقيل وأمهات المؤمنين ، وبه اليوم أسطوان قائمة ، وبلغني أنه كان به عقدان سقطا ، وبقاياه شاهدة بأنه كان مبنيا بالحجارة المنقوشة