مصلى العيد بالصحراء
ولم يكن المصلي في زمن النبي صلىاللهعليهوسلم مسجدّا ، بل كانت صحراء لا بناء بها ، ونهى صلىاللهعليهوسلم عن البناء بها كما سيأتي ، ولهذا وقع الرجم بها. وذهب بعض العلماء إلى أن المصلى يثبت لها حكم المسجد ، وإن لم يوقف ، وهو مردود ؛ فإن من شاهد مصلا صلىاللهعليهوسلم وما ذكر من امتدادها إلى سوق المدينة كما قدمناه فيه وما بها من الدور والشوارع علم عدم صحة ذلك ، وحمل الرجم المذكور في الحديث على أنه وقع بالقرب منها خلاف مقتضى اللفظ والمسجد المتخذ بها اليوم إنما هو في بعضها ، وهو المحل الذي قام به النبي صلىاللهعليهوسلم ، وكذلك المسجدان الآخران ، والظاهر أن بناء الثلاثة كان في زمن عمر بن عبد العزيز.
وقد قدمنا ذكر الأول منها ، وهو المعروف اليوم بمسجد المصلى فيما نقله ابن شبة عن أبي غسان من الذّرع ؛ لما بينه وبين المسجد النبوي.
والثاني المنسوب إلى أبي بكر الصديق رضياللهعنه بالحديقة المذكورة عن يساره مخزن لدواب الحديقة المذكورة ، ومدخل الدواب من باب المسجد الذي في شاميه ، فيمتهنه أهل الحديقة بمرور البهائم منه ، وربما حبسوها فيه ، فدخلته مرة فوجدته كالمزبلة ، وهو في غاية الامتهان قد امتلأ بروث الدواب وبولها ، ولم أجد موضعا للصلاة فيه فتكلمات مع شيخ الخدام الأمير إينال الناظر على الحديقة المذكورة في أن يغير باب المخزن المذكور ، ويجعله من خارج المسجد ، فأمر فقيهه الفقيه الشهاب أحمد النوسي بالنظر في ذلك ، فجعل على الموضع المسقف من المسجد المذكور الذي فيه المحراب جدارا في شاميه يمنع من وصول البهائم إليه ، وكان في جدار المسجد الغربي مما يلي القبلة هيئة بابا مشبك ، فجعله باب لذلك المحل ، وبقيت رحبة المسجد التي في شاميه دهليزا للدواب ، فكلمته في ذلك فذكر أنه قيل له : إن المسجد هو ذلك المسقف فقط ، وجدران المسجد شاهدة بخلاف ذلك ، فليتنبه له.
والمسجد الثالث المنسوب لعلي رضي الله تعالى عنه كان قد تهدّم ودثر حتى صار بعض الحجاج يدفن فيه من يموت في زمن الموسم ، فإنه إلى جانب منزلة الحجاج ، فجدد بناءه الأمير زين الدين ضغيم المنصوري أمير المدينة الشريفة سنة إحدى وثمانين وثمانمائة.
وأما المسجد الأول المعروف اليوم بمسجد المصلى فلم يزل مصونا ، وكان بابه لا يزال مفتوحا فربما يقع له انتهاك ، فأمر شيخ الخدام بغلقه ، وعمارته الموجودة اليوم لا أدري لمن تنسب ، إلا أني رأيت على بابه حجرا قد انمحى بعض الكتابة منه ، وفيه «أمر بتجديد هذا المسجد المنسوب للنبي صلىاللهعليهوسلم بعد خرابه وذهاب عز الدين شيخ الحرم الشريف النبوي ، وذلك في أيام السلطان الملك الناصر حسن بن السلطان محمد بن قلاون الصالحي» وما بعد ذلك قد