وقد ملك فرعون بنى إسرائيل ، ولستم بخير منهم ، فما يمنعنى أن أملككم وأنا خير منه ، فأما هذا الملك فقد علمنا أنه يصير إلى الكلاب ، وأنتم أولئك تشبع بطونكم وتأبى عيونكم ، فأما وقعة ذى قار فهى بوقعة الشام.
فانصرف عنه عبد الله ، وقال فى ذلك :
أبى الله إلا أن كسرى فريسة |
|
لأول داع بالعراق محمدا |
تقاذف فى فحش الجواب مصغرا |
|
لأمر العريب الخائفين له الردا |
فقلت له أرود فإنك داخل |
|
من اليوم فى بلوى ومنتهب غدا |
فأقبل وأدبر حيث شئت فإننا |
|
لنا الملك فابسط للمسالمة اليدا |
وإلا فأمسك قارعا سن نادم |
|
أقر بذل الخرج أو مت موحدا |
سفهت بتخريق الكتاب وهذه |
|
بتمزيق ملك الفرس يكفى مبددا |
ويروى أن كسرى رأى فى النوم بعد أن أخبر بخروج النبيّ صلىاللهعليهوسلم ونزوله يثرب أن سلما وضع فى الأرض إلى السماء ، وحشر الناس حوله ، إذ أقبل رجل عليه عمامة ، وإزار أو رداء ، فصعد السلم حتى إذا كان بمكان منه نودى : أين فارس ورجالها ونساؤها ولامتها وكنوزها؟ فأقبلوا ، فجعلوا فى جوالق ، ثم رفع الجوالق إلى ذلك الرجل ، فأصبح كسرى تعس النفس ، محزونا لتلك الرؤيا ، وذكرها لأساورته ، فجعلوا يهونون عليه الأمر ، فيقول كسرى : هذا أمر تراد به فارس ، فلم يزل مهموما حتى قدم عليه عبد الله بن حذافة بكتاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم يدعوه إلى الإسلام.
وذكر الواقدى من حديث أبى هريرة وغيره أن كسرى بينا هو فى بيت كان يخلو فيه إذا رجل قد خرج إليه فى يده عصا ، فقال : يا كسرى ، إن الله قد بعث رسولا ، وأنزل عليه كتابا ، فأسلم تسلم ، واتبعه يبق لك ملكك قال كسرى : أخر هذا عنى أثرا ما ، فدعا حجابه وبوابيه ، فتواعدهم ، وقال : من هذا الذي دخل على؟ قالوا : والله ، ما دخل عليك أحد ، وما ضيعنا لك بابا ، ومكث حتى إذا كان العام المقبل أتاه فقال له مثل ذلك ، وقال : إن لا تسلم أكسر العصا. قال : لا تفعل ، أخر ذلك أثرا ما ، ثم جاء العام المقبل ، ففعل مثل ذلك ، وضرب بالعصا على رأسه فكسرها ، وخرج من عنده ، ويقال أن ابنه قتله فى تلك الليلة ، وأعلم الله بذلك رسوله عليهالسلام بحدثان كونه فأخبر صلىاللهعليهوسلم بذلك رسل باذان إليه.
وكان باذان عامل كسرى على اليمن ، فلما بلغه ظهور النبيّ صلىاللهعليهوسلم ودعاؤه إلى الله ، كتب إلى باذان : أن ابعث إلى هذا الرجل الذي خالف دين قومه ، فمره فليرجع إلى دين قومه ، فإن أبى فابعث إلى برأسه ، وإلا فليواعدك يوما تقتتلون فيه ، فلما ورد كتابه إلى