وقال رافع بن خديج (١) : شهدنا اليمامة ، فكنا تسعين من النبيت ، فلاقينا عدوا صبرا لوقع السلاح ، وجماعة الناس أربعة آلاف ، وحنيفة مثل ذلك أو نحوه ، فلما التقينا أذن الله للسيوف فينا وفيهم ، فجعلت السيوف تختلى هام الرجال وأكفهم ، وجراحا لم أر جراحا قط أبعد غورا منه ، فينا وفيهم ، إنى لأنظر إلى عباد بن بشر قد ضرب بسيفه حتى انحنى كأنه منجل ، فيقيمه على ركبته ، فيعرض له رجل من بنى حنيفة ، فلما اختلفا ضربات ضربه عباد بن بشر على العاتق مستمكنا ، فو الله لرأيت سحره باديا ، ومضى عنه عباد ، ومررت بالحنفى وبه رمق ، فأجهزت عليه ، وأنظر بعد إلى عباد وقد اختلف السيوف عليه وهو يبضع بها ويبعج بطنه ، فوقع وما أعلم به مصحا ، وكانوا حنقوا عليه لأنه أكثر القتل فيهم. قال : وحرضت على قتلته ، فناديت أصحابنا من النبيت ، فقمنا عليه ، وقتلنا قتلته ، فرأيتهم حوله مقتلين ، فقلت : بعدا لكم.
وقال ضمرة بن سعيد المازنى ، وذكر ردة بنى حنيفة : لم يلق المسلمون عدوا أشد لهم نكاية منهم ، لقوهم بالموت الناقع ، وبالسيوف قد أصلتوها قبل النبل ، وقبل الرماح ، وقد صبر المسلمون لهم ، فكان المعول يومئذ على أهل السوابق ، ونادى عباد بن بشر يومئذ وهو يضرب بالسيف ، قد قطع من الجراح ، وما هو إلا كالنمر الجرف ، فيلقى رجلا من بنى حنيفة كأنه جمل صئول ، فقال : هلم يا أخا الخزرج ، أتحسب قتالنا مثل من لاقيت ، فيعمد له عباد ، ويبدره الحنفى ، ويضربه ضربة بالسيف ، فانكسر سيفه ولم يصنع شيئا ، وضربه عباد فقطع رجليه وجاوزه وتركه ينأ على ركبتيه ، فناداه : يا ابن الأكارم اجهز علىّ ، فكر عليه عباد ، فضرب عنقه ، ثم قام آخر فى ذلك المقام ، فاختلفا ضربات وتجاولا ، وعباد على ذلك كثير الجراح ، فضربه عباد ضربة أبدى سحره ، وقال : خذها وأنا ابن وقش ، ثم جاوزه يفرى فى بنى حنيفة ضربا فريا ، فكان يقال : قتل عباد يومئذ من بنى حنيفة بالسيف أكثر من عشرين رجلا ، وأكثر فيهم الجراح.
قال ضمرة : فحدثنى رجل من بنى حنيفة قديم قال : إن حنيفة لتذكر عباد بن بشر ، فإذا رأت الجراح بالرجل منهم تقول : هذا ضرب مجرب القوم ، عباد بن بشر.
وفى بعض الروايات عن حديث رافع بن خديج قال : خرجنا من المدينة ونحن أربعة آلاف ، وأصحابنا من الأنصار ما بين خمسمائة إلى أربعمائة ، وعلى الأنصار ثابت بن
__________________
(١) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٧٢٨) ، الإصابة الترجمة رقم (٢٥٣٢) ، أسد الغابة الترجمة رقم (١٥٨٠) ، تاريخ خليفة (٢٧١) ، طبقات خليفة (٧٩) ، شذرات الذهب (١ / ٨٢) ، تاريخ الإسلام (٢ / ٤٠٠) ، تقريب التهذيب (١ / ٢٤١).