قيس ، ويحمل رايتنا أبو لبابة ، فانتهينا إلى اليمامة ، فننتهى إلى قوم هم الذين قال الله تعالى : (سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) [الفتح : ١٦].
فلما صففنا صفوفنا ووضعنا الرايات مواضعها ، لم يلبثوا أن حملوا علينا ، فهزمونا مرارا ، فنعود إلى مصافنا وفيها خلل ، وذلك أن صفوفنا كان مختلطة ، فيها حشو كثير من الأعراب فى خلال صفوفنا ، فينهزم أولئك الناس فيستخفون أهل البصائر والنيات ، حتى كثر ذلك منهم ، ثم إن الله بمنه وفضله رزقنا عليهم الظفر ، وذلك أن ثابت بن قيس نادى خالد بن الوليد : أخلصنا ، فقال : ذلك إليك ، فناد فى أصحابك ، قال : فأخذ الراية ونادى : يا للأنصار ، فتسللت إليه رجلا رجلا ، فنادى خالد للمهاجرين ، فأحدقوا به ، ونادى عدى بن حاتم ، ومكنف بن زيد الخيل الطائى بطيئ ، فثابت إليهما طيئ ، وكانوا أهل بلاء حسن ، وعزلت الأعراب عنا ناحية ، فقاموا من ورائنا غلوة أو أكثر ، وإنما كنا نؤتى من الأعراب.
قال رافع : فانتهينا إلى جمعهم فصبروا وصبرنا صبرا لم ير مثله قط ، لم تزل الأقدام ، فذكرت بيتى قيس بن الحطيم :
إذا ما فررنا كان أسوا فرارنا |
|
صدود الخدود وازورار المناكب |
صدود الخدود والقنا متشاجر |
|
ولا تبرح الأقدام عند التضارب (١) |
قال : واجهضهم أهل السوابق والبصائر ، فهم فى نحورهم ما يجد أحد مدخلا إلا أن يقتل رجل منهم ، أو يخرج فيقع ، فيخلف مقامه آخر ، حتى أوجعنا فيهم وبان خلل صفوفهم ، وضجوا من السيف ، ثم اقتحمنا الحديقة ، فضاربوا فيها ، وعلقنا الحديقة ، وأقمنا على بابها رجالا لئلا يهرب منهم أحد ، فلما رأوا ذلك عرفوا أنه الموت ، فجدوا فى القتال ، ودكت السيوف بيننا وبينهم ، ما فيها رمى بسهم ولا حجر ولا طعن حتى قتلنا عدو الله مسيلمة ، فقيل لرافع : يا أبا عبد الله ، أى القتلى كان أكثر ، قتلاكم أو قتلاهم؟ قال : قتلاهم أكثر من قتلانا وأخبث ، أحسبنا قتلنا منهم ضعف ما قتلوا منا مرتين ، فقد قتل من الأنصار يومئذ زيادة على التسعين ، وجرح منهم مائتان ، ولقد لقينا بنى سليم بالجواء ، وأنهم لمجروحون ، فأبلوا بلاء حسنا.
وكان أبو خيثمة النجارى يقول : لما انكشف المسلمون يوم اليمامة تنحيت ناحية ،
__________________
(١) انظر الأبيات فى : ديوانه ص (٤١) ، الخزانة للبغدادى (٣ / ١٦٥) ، الأشباه والنظائر للخالديين (٢٧ ، ٢٨).