وقد غلقت دوننا ، وازدحمنا عليهم ، فلم نزل حتى فتح الله ، وظفرنا ، فله الحمد.
وقال عبد الله بن أبى بكر بن حزم : كان البراء فارسا ، وكان إذا حضرته الحرب أخذته رعدة ، وانتفض حتى يضبطه الرجال مليا ، ثم يفيق فيبول بولا أحمر كأنه نقاعة الحناء ، فلما رأى ما يصنع بالناس يومئذ من الهزيمة أخذه ما كان يأخذه ، فانتفض وضبطه أصحابه وجعل يقول : طرونى إلى الأرض ، فلما أفاق سرى عنه ، وهو مثل الأسد ، وهو يقول :
أسعدنى ربى على الأنصار |
|
كانوا يدا طرا على الكفار |
فى كل يوم ساطع الغبار |
|
فاستبدلوا النجاة بالفرار |
قال : وضرب بسيفه قدما ، حتى أفرجوا له ، وخاض غمرتهم ، وثابت إليه الأنصار كأنها النحل تأوى إلى يعسوبها ، وتلاومت الأنصار فيما صنعت.
وحدث عن خالد بن الوليد من سمعه يقول : شهدت عشرين زحفا ، فلم أر قوما أصبر لوقع السيوف ولا أضرب بها ولا أثبت أقداما من بنى حنيفة يوم اليمامة ، أنّا لما فرغنا من طليحة الكذاب ، ولم تكن له شوكة ، قلت كلمة والبلاء موكل بالقول : وما حنيفة ، ما هى إلا كمن لقينا فلقينا قوما ليسوا يشبهون أحدا ، لما انتهينا إلى عسكرهم نظرت إلى قوم قد قدموا أمام عسكرهم بشرا كثيرا ، فقلت : هذه مكيدة ، وإذا القوم لم يحفلوا بنا ، فعسكرنا منهم بمنظر العين ، فلما أمسيت حزرت القوم بنفسى ، فإذا القوم نحونا ، فبتنا فى عسكرنا ، وباتوا فى عسكرهم.
فلما طلع الفجر قام القوم إلى التعبئة ، وثرنا معهم فى غدوة باردة ، وصففت صفوفى ، وصفوا صفوفهم ، ثم أقبلوا إلينا يقطعون قطوا ، قد سلوا السيوف ، فكبرت ، ورأيت ذلك منهم فشلا ، فلما دنوا منا نادوا : أن هذا ليس بفشل ، ولكنها الهندوانية وخفنا التحطم عليها ، فما هو إلا أن واجهونا ، حملوا علينا حملة واحدة ، وانهزمت الأعراب ، ولا ذوا بين أضعاف الصفوف ، فانهزم معهم أهل النيات ، وأوجعت حنيفة فى أدباركم بالقتل ، وتقدمت أضرب بسيفى مرة يشتملون علىّ ، ومرة أنفذ منهم ، وكر المسلمون كرة ثانية ، فحملت بنو حنيفة أيضا ، حتى هزموا المسلمين ثلاث مرات. وإنما يهزم بالناس الأعراب.
فناديت فى المسلمين ، فذكرتهم الله ، وناديت فى المهاجرين والأنصار : الله الله ، الكرة على عدوكم ، فنادى أهل السوابق : أخلصونا ، فأخلصوا ، لا يخلطهم رجل ، فأخلص قوم قد ألح السيف عليهم ، وقتل من قتل منهم ، ومن بقى من أهل النيات منقطع من الجراح ،