الأفاعيل ، ما رأيت عقولا أضعف من عقول أصحابك ، مثل هذا فعل بكم ما فعل ، فقال مجاعة : قد كان ذلك يا خالد ، ولا تظن أن الحرب انقطعت بينك وبين بنى حنيفة ، وإن قتلت صاحبهم ، إنه والله ما جاءك إلا سرعان الناس ، وإن جماعة الناس وأهل البيوتات لفى الحصون ، فانظر ، فرفع خالد بن الوليد رأسه وهو يقول : قاتلك الله ، ما تقول؟ قال : أقول والله الحق ، فنظر خالد ، فإذا السلاح ، وإذا الخلق على الحصون ، فرأى أمرا غمه ، ثم تشدد ساعتئذ وأدركته الرجولية ، فقال لأصحابه : يا خيل الله اركبى ، وجعل يدعو بسلاحه ، ويقول : يا صاحب الراية قدمها ، قال : والمسلمون كارهون لقتالهم ، وقد ملوا الحرب ، وقتل من قتل وعامة من بقى جريح.
فقال مجاعة : أيها الرجل ، إنى لك ناصح ، إن السيف قد أفناك وأفنى غيرك ، فتعال أصالحك عن قومى ، وقد أخل بخالد مصاب أهل السابقة ، ومن كان يعرف عنده الغناء ، فقد رق وأحب الموادعة مع عجف الكراع ، فاصطلحا على الصفراء والبيضاء ، والحلقة والكراع ، ونصف السبى ، ثم قال مجاعة : آتى القوم فأعرض عليهم ما صنعت ، قال : فانطلق ، فذهب ثم رجع ، فأخبره أنهم قد أجازوه ، فلما بان لخالد أنه إنما هو السبى ، قال : ويلك ، يا مجاعة خدعتنى فى يوم مرتين ، قال مجاعة : قومى ، فما أصنع ، وما وجدت من ذلك بدا ، قد حضنى النساء ، وأنشده قول امرأة من بنى حنيفة :
مسيلم لم يبق إلا النساء |
|
سبايا لذى الخف والحافر |
وطفل ترشحه أمه |
|
حفير متى يدع يستأخر |
فأما الرجال فأودى بهم |
|
حوادث من دهرنا العاثر |
فليت أباك مضى حيضه |
|
وليتك لم تك فى الغابر |
سحبت علينا ذيول البلاء |
|
وجئت بهن سمى قاشر |
فمجاعة الخير فانظر لنا |
|
فليس لنا اليوم من ناظر |
سواك فإنا على حالة |
|
تروعنا مرة الطائر |
فقال : مجاعة : فكنت أجد من هذا بدا (١).
وذكر أن مجاعة لما ذهب إلى قومه ليعرض عليهم الصلح ، انتهى إلى باب الحصن ليلا ، فإذا امرأة تنشد هذا الشعر ، فدنا منها مجاعة ، فقال : هتم الله فاك ، اسكتى ، أنا مجاعة ، ثم دخل الحصن وليس فيه إلا النساء والصبيان ، فأمرهم بلبس السلاح وإطالة الإشراف ، والقيام فى مصاف الرجال ، فقال سلمة بن عمير لأصحابه : يا بنى حنيفة قاتلوا ولا
__________________
(١) راجع ما ذكره ابن الجوزى فى صلح خالد بن الوليد مع أهل اليمامة (٤ / ٨٢ ـ ٨٣).