تصالحوا خالدا ، فإن الحصن حصين ، والطعام كثير ، والقوم قد أفناهم السيف ، ومن بقى منهم جريح ، ولا تطيعوا مجاعة ، فإنه إنما يريد أن ينفلت من إساره ، فقال مجاعة : يا بنى حنيفة ، أطيعونى واعصوا سلمة ، فإنى أخاف أن يصيبكم ما قال شرحبيل بن سلمة ، أن تستردف النساء سبيات ، وينكحن غير حظيات ، فأطاعوا مجاعة ، وتم الصلح بينه وبين خالد.
وقال أسيد بن حضير (١) وأبو نائلة لخالد لما صالح : يا خالد ، اتق الله ، ولا تقبل الصلح ، قال خالد : إنه أفناكم السيف ، قال أسيد : وإنه قد أفنى غيرنا أيضا ، قال : فمن بقى منكم جريح ، قال : وكذلك من بقى من القوم جرحى ، لا ندخل فى الصلح أبدا ، اغد بنا عليهم حتى يظفرنا الله بهم أو نبيد من آخرنا ، احملنا على كتاب أبى بكر : إن أظفرك الله ببنى حنيفة فلا تبق عليهم ، فقد أظفرنا الله بهم وقتلنا رأسهم ، فمن بقى أكل شوكة ، فبينما هم على ذلك إذ جاء كتاب أبى بكر يقطر الدم ، ويقال : إنهم لم يمسوا حتى قدم سلمة بن سلامة بن وقش من عند أبى بكر بكتابين ، فى أحدهما : بسم الله الرحمن ، أما بعد فإذا جاءك كتابى ، فانظر ، فإن أظفرك الله ببنى حنيفة فلا تستبق منهم رجلا جرت عليه الموسى (٢).
فكلمت الأنصار فى ذلك ، وقالوا : أمر أبى بكر فوق أمرك ، فلا تستبق منهم أحدا ، فقال خالد : إنى والله ما صالحت القوم إلا لما رأيت من رقتكم ، ولما نهكت الحرب منكم ، وقوم قد صالحتهم ومضى الصلح فيما بيننا وبينهم ، والله لو لم يعطونا شيئا ما قاتلتهم ، وقد أسلموا.
قال أسيد بن حضير : قد قتلت مالك بن نويرة وهو مسلم ، فسكت عنه خالد ، فلم يجبه ، قالوا : وقال سلمة بن سلامة بن وقش : لا تخالف كتاب إمامك يا خالد ، فقال خالد : والله ما ابتغيت بذلك إلا الذي هو خير ، رأيت أهل السابقة وأهل الفضل وأهل القرآن قد قتلوا ، ولم يبق معى إلا قوم خشيت أن لا يكون لهم بقاء على السيف لو ألح عليهم ، فقبلت الصلح ، مع أنهم قد أظهروا الإسلام ، واتقوا بالراح.
__________________
(١) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٥٤) ، الإصابة الترجمة رقم (١٨٥) ، أسد الغابة الترجمة رقم (١٧٠) ، تجريد أسماء الصحابة (١ / ٢١) ، تهذيب الكمال (١ / ١١٣) ، تقريب التهذيب (١ / ٧٨) ، تهذيب التهذيب (١ / ٣٤٧) ، الوافى بالوفيات (٩ / ٢٥٨) ، سير أعلام النبلاء (١ / ٢٢٩) ، الجرح والتعديل (٢ / ١١٦٣) ، الرياض المستطابة (٢٩).
(٢) انظر : المنتظم لابن الجوزى (٤ / ٨٣).