أقحم حتى أعذر ، وصبر حتى ظفر ، وما صالح القوم إلا على رضاه ، وما أخطأ رأيه بصلح القوم ، إذ هو لا يرى النساء فى الحصون إلا رجالا ، فقال أبو بكر : صدقت لكلامك هذا أولى بعذر خالد من كتابه إلىّ.
وقد كان خالد لما وقع الصلح ، خاف من عمر أن يحمل أبا بكر ، رضياللهعنهما ، عليه ، فكتب إلى أبى بكر كتابا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم لأبى بكر خليفة رسول الله من خالد بن الوليد ، أما بعد ، فإنى أقسم بالله أنى لم أصالحهم حتى قتل من كنت أقوى به ، وحتى عجف الكراع ، وهلك الخف ، ونهك المسلمون بالقتل والجراح ، حتى إنى لأفعل أمورا أرى أنى فيها معزر ، أباشر القتال بنفسى حتى ضعف المسلمون ونهكوا ، حتى إن كنت لا تنكر ، ثم أدخل بسيفى فرقا على المسلمين حتى جاء بالظفر ، فله الحمد.
فسر أبو بكر بذلك ، فدخل عليه عمر وهو يقرأ الكتاب ، فدفعه إليه ، فقرأه ، فقال : إنما راقب خئونتهم وخالف أمرك ، ألا ترى إلى ذكره أنه يباشر القتال بنفسه ، يمن عليك بذلك. فقال أبو بكر : لا تقل يا عمر ، فإنه والى صدق ميمون النقيبة ، ناكى العدو ، وقد كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، يقدمه ويقربه ، وقد ولاه ، فقال عمر : ولاه ، وخالف أمره ، وقبل بدخول الجاهلية حتى كان ما كان ، فقال أبو بكر : دع هذا عنك ، فقال عمر : سمعا وطاعة.
ولما فرغ خالد من الصلح ، أمر بالحصون فألزمها الرجال ، وحلف مجاعة بالله لا يغيب عنه شيئا مما صالحه عليه ، ولا يعلم أحدا غيبة إلا رفعه إلى خالد ، ثم فتحت الحصون ، فأخرج سلاحا كثيرا ، فجمعه خالد على حدة ، وأخرج ما وجد فيها من دنانير ودراهم ، فجمعه على حدة ، وجمع كراعهم ، وترك الخف فلم يحركه ولا الرثة ، ثم أخرج السبى ، فقسمه قسمين ، ثم أقرع على القسمين ، فخرج سهمه على أحدهما ، وفيه : مكتوب لله ، ثم جزأ الذي صار له من السبى على خمسة أجزاء ، ثم كتب على كل سهم منها : لله ، وجزأ الكراع ، والحلقة هكذا ، ووزن الذهب والفضة ، فعزل الخمس ، وقسم على الناس أربعة الأخماس ، وأسهم للفرس سهمين ، ولصاحبه سهما ، وعزل الخمس من ذلك كله ، حتى قدم به على أبى بكر الصديق ، رضياللهعنه.
ولما انقطعت الحرب بين خالد وبين أهل اليمامة ، تحول من منزله الذي كان فيه إلى منزل آخر ، ينتظر كتاب أبى بكر يأمره أن ينصرف إليه بالمدينة ، فبينا هو على ذلك ، إذ