أقبل سلمة بن عمير الحنفى ، وكان من شياطينهم ، فقال لمجاعة : استأذن لى على الأمير ، فإن لى إليه حاجة ، فأبى مجاعة عليه ، وقال : ويحك يا سلمة ، ابق على نفسك ، فقد آن لك أن تبصر ما أنت فيه ، والله لكأنى أنظر إلى خالد بن الوليد قد أمر بك فضربت عنقك.
فقال سلمة : ما بينى وبين خالد من عتاب ، قد قتل قومى ، فلهى عنه مجاعة ، يطلب غرة من خالد ، فأقبل مع الناس الذين يدخلون عليه ، فلما رآه خالد التفت إلى مجاعة ، فقال : والله إنى لأعرف فى وجه هذا الشر ، فقام إليه مجاعة وهو يخافه على الذي ظن به ، فإذا هو مشتمل على السيف ، فقال : يا عدو الله ، لعنك الله ، لقد أردت أن تستأصل حنيفة ، والله لو قتلته ما بقى من حنيفة صغير ولا كبير إلا قتل ، ثم لببه بثوبه ، وجعل يتله حتى أدخله بيتا ، ثم أوثقه فى الحديد ، وأغلق عليه ، فأفلت من الليل ومعه سيف ، فوقع فى حائط من حوائط اليمامة ، وعلم شأنه وما أراد من ضرب خالد بالسيف ، وكان خالد قد أمر به أن تضرب عنقه ، فكلمه فيه مجاعة ، وقال : هبه لى يا أبا سليمان ، فوهبه له ، وقال له : أحسن أدبه ، فذلك حين حذره مجاعة ، فخرج بالسيف واكتنفه أهل اليمامة ، فلما رأى ذلك أمال السيف على حلقه ، فقطع أوداجه ، وسقط فى بئر هناك ، فانقطع ذكره.
وحدث زيد بن أسلم عن أبيه ، قال : كان أبو بكر حين وجه خالدا إلى اليمامة ، رأى فى النوم كأنه أتى بتمر من تمر هجر (١) ، فأكل منها تمرة واحدة وجدها نواة على خلقة التمرة ، فلاكها ساعة ثم رمى بها ، فتأولها ، فقال : ليلقين خالد من أهل اليمامة شدة ، وليفتحن الله على يديه إن شاء الله ، فكان أبو بكر يستروح الخبر من اليمامة بقدر ما يجىء رسول خالد ، فخرج أبو بكر يوما بالعشى إلى ظهر الحرة ، يريد أن يبلغ صرارا ، ومعه عمر بن الخطاب وسعيد بن زيد وطلحة بن عبيد الله ، ونفر من المهاجرين والأنصار ، فلقى أبا خيثمة النجارى قد أرسله خالد ، فلما رآه أبو بكر قال له : ما وراءك يا أبا خيثمة؟ قال : خير يا خليفة رسول الله ، قد فتح الله علينا اليمامة ، قال : فسجد أبو بكر ، قال أبو خيثمة : وهذا كتاب خالد إليك ، فحمد الله أبو بكر وأصحابه ، ثم قال : أخبرنى عن الوقعة ، كيف كانت؟.
فجعل أبو خيثمة يخبره كيف صنع خالد ، وكيف صف أصحابه ، وكيف انهزم المسلمون ، ومن قتل منهم ، وجعل أبو بكر يسترجع ويترحم عليهم ، وجعل أبو خيثمة
__________________
(١) هجر : بفتح أوله وثانيه ، مدينة البحرين ، وهى معرفة لا تدخلها الألف واللام ، سميت بهجر بنت مكنف من العماليق. انظر : الروض المعطار (٥٩٢) ، معجم ما استعجم (٤ / ١٣٤٦).