المقوقس عظيم القبط ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ، فإنى أدعوك بداعية الإسلام ، أسلم تسلم ، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإن عليك إثم القبط (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [آل عمران : ٦٤]». وختم الكتاب (١).
فخرج به حاطب حتى قدم عليه الإسكندرية ، فانتهى إلى حاجبه ، فلم يلبثه أن أوصل إليه كتاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وقال حاطب للمقوقس لما لقيه : «إنه قد كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى ، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ، فانتقم به ، ثم انتقم منه ، فاعتبر بغيرك ، ولا يعتبر بك». قال : هات. قال : «إن لك دينا لن تدعه إلا لما هو خير منه ، وهو الإسلام الكافى به الله ، فقد ما سواه ، إن هذا النبيّ صلىاللهعليهوسلم دعا الناس ، فكان أشدهم عليه قريش ، وأعداهم له يهود ، وأقربهم منه النصارى ، ولعمرى ما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد صلىاللهعليهوسلم وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل ، وكل نبى أدرك قوما ، فهم من أمته ، فالحق عليهم أن يطيعوه ، فأنت ممن أدركه هذا النبيّ ، ولسنا ننهاك عن دين المسيح ، ولكنا نأمرك به». فقال المقوقس : «إنى قد نظرت فى أمر هذا النبيّ ، فوجدته لا يأمر بمزهود فيه ، ولا ينهى إلا عن مرغوب عنه ، ولم أجده بالساحر الضال ، ولا الكاهن الكاذب ، ووجدت معه آلة النبوة بإخراج الخبء والإخبار بالنجوى ، وسأنظر.
وأخذ كتاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم فجعله فى حق من عاج وختم عليه ، ودفعه إلى جارية له ، ثم دعا كاتبا له يكتب بالعربية ، فكتب إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «بسم الله الرحمن الرحيم. لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط ، سلام عليك. أما بعد ، فقد قرأت كتابك ، وفهمت ما ذكرت فيه ، وما تدعو إليه. وقد علمت أن نبيا قد بقى ، وكنت أظن أنه يخرج بالشام ، وقد أكرمت رسولك ، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان فى القبط عظيم ، وبكسوة ، وأهديت لك بغلة لتركبها. والسلام عليك». ولم يزد على هذا ، ولم يسلم. وهاتان الجاريتان اللتان ذكرهما ، إحداهما مارية أم إبراهيم ابن النبيّ صلىاللهعليهوسلم وأختها سيرين ، وهى التي وهبها النبيّ صلىاللهعليهوسلم لحسان بن ثابت فولدت له ابنه عبد الرحمن ، والبغلة هى دلدل ، وكانت بيضاء. وقيل : إنه لم يكن فى العرب يومئذ غيرها ، وإنها بقيت إلى زمان معاوية.
__________________
(١) انظر : التخريج السابق.