ثانى اثنين ولا ثالث ثلاثة ، ولا أن لله عزوجل ، ولدا ولا صاحبة ، ولا أن مع الله آلهة أخرى ، لا إله إلا هو ، تعالى عما تقولون علوا كبيرا ، وأنتم تقولون فى عيسى قولا عظيما ، ولو أنكم قلتم فى عيسى كما نقول ، وآمنتم بنبوة نبينا صلىاللهعليهوسلم كما تجدونه فى كتابكم ، وكما نؤمن نحن بنبيكم ، وأقررتم بما جاء به من عند الله ، ووحدتم الله ، ما قاتلناكم ، بل سالمناكم وواليناكم وقاتلنا عدوكم معكم.
فلما فرغ معاذ من مخاطبتهم قالوا له : ما نرى ما بيننا وبينكم إلا متباعدا ، وقد بقيت خصلة ونحن عارضوها عليكم ، فإن قبلتموها منا فهو خير لكم ، وإن أبيتم فهو شر لكم : نعطيكم البلقاء وما والى أرضكم من سواد الأردن ، وتتحولون عن بقية أرضنا ، وعن مدائننا ، ونكتب عليكم كتابا نسمى فيه خياركم وصالحاءكم ، ونأخذ فيه عهودكم ومواثيقكم أن لا تطلبوا من أرضنا غير ما صالحناكم عليه ، وعليكم بأهل فارس فقاتلوهم ونحن نعينكم عليهم حتى تقتلوهم أو تظهروا عليهم.
فقال لهم معاذ : هذا الذي تعطوننا هو كله فى أيدينا ، ولو أعطيتمونا جميع ما فى أيديكم مما لم نظهر عليه ومنعتمونا خصلة من الخصال الثلاث التي وصفت لكم ما فعلنا. فغضبوا ، وقالوا : أنتقرب منكم وتتباعد منا ، اذهب إلى أصحابك ، فو الله إنا لنرجو أن نقرنكم غدا فى الحبال. فقال معاذ : أما فى الحبال فلا ، ولكن والله لتقتلننا عن آخرنا أو لنخرجنكم منها أذلة وأنتم صاغرون.
ثم انصرف إلى أبى عبيدة فأخبره بما قالوا وما رد عليهم. فإنهم لكذلك إذ بعثوا إلى أبى عبيدة : إنك بعثت إلينا رجلا لا يقبل النصف ، ولا يريد الصلح ، فلا نرى أعن رأيك ذلك أم لا ، وإنا نريد أن نبعث إليك رجلا منا يعرض عليك النصف ، ويدعوك إلى الصلح ، فإن قبلت ذلك منه فلعله يكون خيرا لنا ولك ، وإن أبيت فلا نراه إلا شرا لك (١).
فقال لهم أبو عبيدة : ابعثوا من شئتم. فبعثوا إليه رجلا منهم ، طويلا أحمر أزرق ، فلما جاء المسلمين لم يعرف أبا عبيدة من القوم ، ولم يدر أفيهم هو أم لا ، ولم ير هيبة مكان أمير ، فقال : يا معشر العرب ، أين أميركم؟ قالوا له : هو ذا ، فنظر فإذا هو بأبى عبيدة جالسا على الأرض عليه الدرع ، وهو متنكب القوس ، وفى يده أسهم يقلبها ، فقال له : أنت أمير هؤلاء الناس؟ قال : نعم ، قال : فما جلوسك على الأرض؟ أرأيت لو كنت
__________________
(١) انظر : تاريخ فتوح الشام للأزدى (١١٣) وما بعدها.