جالسا على وسادة ، أو كان تحتك بساط ، أكان ذلك واضعك عند الله أو مباعدك من الإحسان؟.
فقال أبو عبيدة : إن الله لا يستحى من الحق ، لأصدقنك عما قلت ، ما أصبحت أملك دينارا ولا درهما ، وما أملك إلا فرسى وسلاحى ، ولقد احتجت أمس إلى نفقة فلم تكن عندى حتى استقرضت أخى هذا يعنى معاذا ، نفقة كانت عنده ، فأقرضنيها ، ولو كان عندى أيضا ، بساط أو وسادة ما كنت لأجلس عليه دون أصحابى وإخوانى ، وأجلس على الأرض أخى المسلم الذي لا أدرى لعله عند الله خير منى ، ونحن عباد الله نمشى على الأرض ، ونأكل على الأرض ، ونجلس عليها ، ونضطجع عليها ، وليس بناقصنا ذلك عند الله شيئا ، بل يعظم الله به أجورنا ، ويرفع به درجاتنا. هات حاجتك التي جئت لها.
فقال الرومى : إنه ليس شيء أحب إلى الله من الإصلاح ، ولا أبغض إليه من البغى والفساد ، وإنكم قد دخلتم بلادنا فظهر منكم فيها الفساد والبغى ، وقل ما بغى قوم وأفسدوا فى الأرض إلا عمهم الله بهلاك ، وإنا نعرض عليكم أمرا فيه حظ إن قبلتموه : إن شئتم أعطيناكم دينارين دينارين ، وثوبا ثوبا ، وأعطيناك أنت ألف دينار ، ونعطى الأمير الذي فوقك يعنون عمر بن الخطاب ، ألفى دينار ، وتنصرفون عنا ، وإن شئتم أعطيناكم البلقاء وما إلى أرضكم من سواد الأردن ، وخرجتم من مدائننا وأرضنا ، وكتبنا فيما بيننا وبينكم كتابا يستوثق فيه بعضنا من بعض بالأيمان المغلظة لتقومن بما فيه ولنفين بما عاهدنا الله عليه.
فقال أبو عبيدة : إن الله تعالى ، بعث فينا رسولا تنبأه ، وأنزل عليه كتابا حكيما ، وأمره أن يدعو الناس إلى عبادته رحمة منه للعالمين ، فقال لهم : إن الله إله واحد عزيز حكيم ، علىّ مجيد ، وهو خالق كل شيء ، وليس كمثله شيء ، فوحدوا الله الذي لا إله إلا هو ، ولا تتخذوا معه إلها آخر ، فإن كل شيء يعبده الناس دونه فهو خلقه ، وإذا أتيتم المشركين فادعوهم إلى الإيمان بالله ورسوله والإقرار بما جاء به من ربه ، فمن آمن وصدق فهو أخوكم فى دينكم ، له ما لكم وعليه ما عليكم ، ومن أبى فاعرضوا عليهم أن يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، فإن أبوا أن يؤمنوا أو يؤدوا الجزية فقاتلوهم ، فإن قتيلكم المحتسب بنفسه شهيد عند الله فى جنات النعيم ، وقتيل عدوكم فى النار ، فإن قبلتم ما سمعتم فذاكم ، وإن أبيتم فابرزوا إلينا حتى يحكم الله بيننا ، وهو خير الحاكمين.
قال الرومى : فقد أبيتم إلا هذا. فقال أبو عبيدة : نعم. فقال : أما والله على ذلك إنى