استكانوا لمصيبتهم ، ولكن تأسوا بهم وجاهدوا فى سبيل الله من خالفهم وفارق دينهم ، ولقد أثنى الله على قوم بصبرهم ، فقال : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران : ١٤٦] ، فأما ثواب الدنيا فالفتح والغنيمة ، وأما ثواب الآخرة ، فالمغفرة والجنة.
واقرأ كتابى هذا على الناس ، ومرهم فليقاتلوا فى سبيل الله وليصبروا كيما يؤتيهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة.
وأما قولك : إنه قد جاءهم ما لا قبل لهم به ، فإلا يكن لهم به قبل ، فإن لله تعالى بهم قبلا ، ولم يزل ربنا عليهم مقتدرا ، ولو كنا إنما نقاتل عدونا بحولنا وقوتنا وكثرتنا لهيهات ما قد بدنا وهلكنا ، ولكنا نتوكل على الله ربنا ، ونفوض إليه أمرنا ، ونبرأ إليه من الحول والقوة ، ونسأله النصر والرحمة ، وإنكم منصورون إن شاء الله على كل حال ، فأخلصوا لله نياتكم ، وارفعوا إليه رغبتكم ، واصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ، والسلام.
قال عبد الله بن قرط : فدفع إلىّ عمر الكتاب وأمرنى أن أعجل السير ، وقال لى : إذا قدمت على المسلمين فسر فى صفهم ، وقف على كل صاحب راية منهم ، وأخبرهم أنك رسولى إليهم ، وقل لهم : إن عمر يقرئكم السلام ويقول : يا أهل الإسلام ، اصدقوا وشدوا على أعدائكم شد الليوث ، وأعضوا هامهم السيوف ، وليكونوا أهون عليكم من الذر ، لا تهلكم كثرتهم ولا تستوحشوا لمن لم يلحق بكم منكم.
قال : فركبت راحلتى وأقبلت مسرعا ، أتخوف ألا آتى الناس حتى تكون الوقعة ، فانتهيت إلى أبى عبيدة يوم قدم عليه سعيد بن عامر بن حذيم الجمحى فى ألف رجل مددا من قبل عمر رضياللهعنه ، فسر بمقدمه المسلمون ، وشجعهم ذلك على عدوهم ، ودفعت إلى أبى عبيدة كتاب عمر ، فقرأه على الناس ، فاشتد سرورهم برأيه لهم ، وبما أمرهم به من الصبر ، وما رجا لهم فى ذلك من الأجر.
وكان أبو عبيدة بعث سفيان بن عوف من حمص إلى عمر يستمده حين بلغه أن الروم قد جاشوا واختلفوا فى الاجتماع للمسلمين ، فعند ذلك بعث عمر رحمهالله ، سعيد بن