عامر بالمدد ، وقد كان أبو بكر رضياللهعنه ، وجه سعيدا هذا إلى الشام فى جيش ، فكان مع أبى عبيدة حتى شهد معه وقعة فحل ، ثم أرسله أبو عبيدة إلى عمر بالفتح ، فقدم به عليه ، ثم حج بعد ورجع إلى المدينة ، فلم يزل مقيما بها حتى بعثه عمر بهذا المدد.
قال حسان بن عطية (١) : لما عقد له عمر على من وجهه معه ، قال له : يا سعيد ، إنى قد وليتك على هذا الجيش ، ولست بخير رجل منهم إلا أن تكون أتقى لله منه ، فلا تشتم أعراضهم ، ولا تضرب أبشارهم ، ولا تحقر ضعيفهم ، ولا تؤثر قويهم ، وكن للحق تابعا ، ولا تتبع هواك سادرا ، فإنه إن بلغنى عنك ما أحب لم يعدمك منى ما تحب! فقال له سعيد : يا أمير المؤمنين ، إنك قد أوصيتنى ، فاستمعت منك ، فاستمع منى أوصك. قال: هات ، فقد آتاك الله علما يا سعيد ، قال : يا أمير المؤمنين ، خف الله فى الناس ، ولا تخف الناس فى الله ، واحبب لقريب الناس وبعيدهم ما تحب لنفسك وأهل بيتك ، واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك ، والزم الأمر ذا الحجة يكفك الله ما أهمك ويعنك على ما أمرك وما ولك ، ولا تقضين فى أمر واحد بقضاءين فيختلف قولك وفعلك ، ويلتبس الحق بالباطل ، ويشتبه عليك الأمر ، فتزيغ عن الحق ، وخض الغمرات إلى الحق حيث علمته ، ولا يأخذك فى الله لومة لائم.
قال : فأكب عمر طويلا وفى يده عصا له وهو واضع جبهته عليها ، ثم رفع رأسه ودموعه تسيل ، فقال : لله أبوك يا سعيد ، ومن يستطيع هذا الذي تذكر؟ قال : من طوق ما طوقت ، وحمل ما حملت من هذا الأمر ، وإنما عليك أن تأمر فتطاع ، أو تعصى فتبوأ بالحجة ، ويبوء بالمعصية.
وعن الحارث بن عبد الله الأزدى ، قال (٢) : لما نزل أبو عبيدة اليرموك وضم إليه قواصيه وجاءتنا جموع الروم يجرون الشوك والشجر ، ومعهم القسيسون والرهبان والأساقفة ، يقصون عليهم ويحرضونهم ، خافهم المسلمون ، فما كان شيء أحب إليهم من أن يخرجوا لهم ويتنحوا عن بلادهم حتى يأتيهم مدد ، يرون أنهم يقوون به على من جاءهم من الروم ، فاستشار أبو عبيدة الناس ، فكلهم أشار عليه بالخروج من الشام ، إلا خالد بن الوليد ، فإنه أشار عليه بالمقام ، وقال له : خلنى والناس ودعنى والأمر وولنى ما وراء بابك فأنا أكفيك بإذن الله أمر هذا العدو ، فقال له أبو عبيدة : شأنك بالناس ،
__________________
(١) انظر : تاريخ فتوح الشام (١٨٦ ـ ١٨٧).
(٢) انظر : تاريخ فتوح الشام (١٨٧ ـ ١٩٩).