فخلاه وإياهم ، قال : وكان قيس بن هبيرة على مثل رأى خالد ، ولم يكن فى المسلمين أحد يعدلهما فى الحرب وشدة البأس. قال : فخرج خالد فى الناس وهم أحسن شيء دعة ورعة وهيئة ، وأشدهم فى لقاء عدوهم بصيرة ، وأطيبهم أنفسا ، فصفهم خالد ثلاثة صفوف ، وجعل ميمنة وميسرة ، ثم أتى أبا عبيدة. قال : من كنت تجعل على ميمنتك؟
قال : معاذ بن جبل ، قال : أهل ذلك هو الرضى الثقة ، فولها إياه ، فأمر أبو عبيدة معاذا فوقف فى الميمنة ، ثم قال : من كنت تول الميسرة؟ قال : غير واحد ، قال : فولها إن رأيت قباث بن أشيم ، فأمره أبو عبيدة فوقف فى الميسرة ، وكان فيها كنانة وقيس ، وكان قباث كنانيا ، وكان شجاعا بئسا. قال خالد : وأنا على الخيل ، وول على الرجالة من شئت ، قال : أوليها إن شاء الله من لا يخاف نكوله ولا صدوده عند البأس ، أوليها هاشم بن عتبة ابن أبى وقاص ، قال : أصبت ووفقت ورشدت. قال أبو عبيدة : انزل يا هاشم ، فأنت على الرجالة وأنا معك ، وقال خالد لأبى عبيدة : أرسل إلى أهل كل راية فمرهم أن يطيعونى ، فدعا أبو عبيدة الضحاك بن قيس ، فأمره بذلك ، فخرج الضحاك يسير فى الناس ويقول لهم : إن أميركم أبا عبيدة يأمركم بطاعة خالد بن الوليد فيما أمركم به. فقال الناس : سمعنا وأطعنا ، وقال ذلك أيضا معاذ بن جبل لما أنهى إليه الضحاك أمر أبى عبيدة ، ثم نظر معاذ إلى الناس فقال : أما إنكم إن أطعتموه لتطيعن مبارك الأمر ميمون النقيبة عظيم الغناء حسن الحسبة والنية ، قال الضحاك : فحدثت خالدا بذلك ، فقال : رحم الله أخى معاذا ، أما والله إن أحبنى إنى لأحبه فى الله ، لقد سبقت له ولأصحابه بسوابق لا ندركها فهنيئا ما خصهم الله به من ذلك. قال الضحاك : فأخبرت معاذا بما رد علىّ خالد ، فقال : إنى لأرجو أن يكون الله قد أعطاه بصيرة على جهاد المشركين ، وشدة عليهم مع بصيرته وحسن نيته فى إعزاز دينه أحسن الثواب ، وأن يكون من أفضلنا بذلك عملا ، فقال خالد ، وقد لقيته بذلك : ما شيء على الله بعزيز.
قال : ثم إن خالدا سار فى الصفوف ، يقف على أهل كل راية ، ويقول : يا أهل الإسلام ، إن الصبر عز وإن الفشل عجز ، وإن مع الصبر تنصرون ، والصابرون هم الأعلون ، وما زال يقف على أهل كل راية يعظهم ويحضهم ، ويرغبهم حتى مر بجماعة الناس ، ثم إنه جمع إليه خيل المسلمين ، ودعا قيس بن هبيرة ، وكان يساعده ويوافقه ويشبهه فى جلده وشدته وشجاعته وإقدامه على المشركين ، فقال له خالد : أنت فارس العرب ، ولقل من حضر اليوم يعدلك عندى ، فاخرج معى فى هذه الخيل ، وبعث إلى ميسرة بن مسروق العبسى ، وكان من أشراف العرب وفرسانهم ، وإلى عمرو بن الطفيل