ذى النور بن عمرو الدوسى ، فخرجوا معه ، ثم قسموا الخيل أرباعا ، فبعث كل رجل منهم على ربع ، وخرج خالد فى ربع منها حتى دنوا من عسكر الروم الأعظم الذي فيه باهان ، فلما رأتهم الروم فزعوا لمجيئهم ، وقد كانوا أخبروا أن العرب تريد الانصراف عن أرض الشام ويخلونهم وإياها ، فكان ذلك قد وقع فى نفوسهم وطمعوا به ، ورجوا أن لا يكون بينهم قتال ، وصدق ذلك عندهم خروجهم من بين أيديهم يسوقونهم ، وهم يدعون لهم الأرض والمدائن التي كانوا قد غلبوا عليها ، فلما رأوا خالدا قد أقبل إليهم فى الخيل فزعهم ذلك وخرجوا على راياتهم بصلبهم ، والقسيسون والرهبان والبطارقة معهم ، فصفوا عشرين صفا لا ترى أطرافها ، ثم أخرجوا إلى المسلمين خيلا عظيمة تكون أضعاف المسلمين مضاعفة ، فلما دنت خيلهم من خيل المسلمين خرج بطريق من بطارقتهم يسأل المبارزة ، ويتعرض لخيل المسلمين ، فقال خالد : أما لهذا رجل يخرج إليه ، ليخرجن إليه بعضكم أو لأخرجن إليه ، فنفلت إليه عدة من المسلمين ليخرجوا إليه ، وأراد ميسرة بن مسروق ذلك ، فقال له خالد : أنت شيخ كبير وهذا الرومى شاب ولا أحب أن تخرج إليه ، فإنه لا يكاد الشيخ الكبير يقوى على الشاب الحديث السن ، فقف لنا يرحمك الله فى كتيبتك ، فإنك ما علمت حسن البلاء عظيم الغناء ، وأراد عمرو بن الطفيل الخروج إليه ، فقال له خالد : يا ابن أخى أنت غلام حدث ، وأخاف أن لا تقوى عليه ، قال الحارث بن عبد الله : وكنت فى خيل خالد التي خرجت معه ، فقلت : أنا أخرج إليه ، فقال : ما شئت ، قال : ، فلما ذهبت لأخرج قال لى : هل بارزت رجلا قط قبله؟ قلت : لا ، قال : فلا تخرج إليه ، فقال قيس بن هبيرة : كأنك يا خالد علىّ تحوم؟ قال : أجل ، وإنى أرجو إن خرجت إليه أن تقتله ، وإن أنت لم تخرج إليه لأخرجن إليه أنا ، قال قيس : بل أنا أخرج إليه ، فخرج وهو يقول :
سائل نساء الحى فى حجلاتها |
|
ألست يوم الحرب من أبطالها |
ومقعص (١) الأقران من رجالها |
فخرج إليه ، فلما دنا منه ضرب فرسه ، ثم حمل عليه فما هلل أن ضربه بالسيف على هامته فقطع ما عليها من السلاح ، وفلق هامته ، فإذا الرومى بين يدى فرسه قتيلا ، وكبر المسلمون فقال خالد : ما بعد ما ترون إلا الفتح ، احمل عليهم يا قيس ، ثم أقبل خالد على أصحابه فقال : احملوا عليهم ، فو الله لا يفلحون وأولهم فارسا متعفّرا فى التراب ، قال : فحملنا عليهم وعلى من يلينا منهم ومن خيلهم ، وهى مستقدمة أمام صفوفهم وصفوفهم
__________________
(١) مقعص : القعص هو القتل المعجل ، وضربه فأقعصه : أماته مكانه. انظر : اللسان (٣٦٩٣).