فقال عمر رضياللهعنه : فالحمد لله الذي أعزنا وشرفنا وأكرمنا فرحمنا بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، وبرحمته التي وسعت كل شيء.
ومن حديث زيد بن أسلم عن أبيه ، وهو عندنا بالإسناد : أن عمر بن الخطاب رضياللهعنه ، خرج زمان الجاهلية مع أناس من قريش فى تجارة إلى الشام ، قال : فإنى لفى سوق من أسواقها ، إذا ببطريق قد قبض على عنقى ، فذهبت أنازعه ، فقيل لى : لا تفعل ، فإنه لا نصف لك منه ، فأدخلنى كنيسة ، فإذا تراب عظيم ملقى ، فجاءنى بزنبيل ومجرفة ، فقال : انقل ما هاهنا ، فجعلت أنظر كيف أصنع ، فلما كان فى الهاجرة وافانى وعليه ثوب أرى سائر جسده منه ، فقال : أإنك على ما أرى ما نقلت شيئا ، ثم جمع يديه فضرب بهما دماغى ، فقلت : وا ثكل أمك يا عمر ، أبلغت ما أرى ، ثم وثبت إلى المجرفة ، فضربت بها هامته ، فنثرت دماغه ، ثم واريته فى التراب ، وخرجت على وجهى ، لا أدرى أين أسير ، فسرت بقية يومى وليلتى ومن الغد إلى الهاجرة ، فانتهيت إلى دير ، فاستظللت بفنائه ، فخرج إلىّ منه رجل ، فقال لى : يا عبد الله ، ما يقعدك هنا؟ فقلت : أضللت أصحابى ، فقال لى : ما أنت على طريق ، وإنك لتنظر بعينى خائف ، فادخل وأصب من الطعام ، واسترح ، فدخلت فأتانى بطعام وشراب ، وألطفنى ، ثم صعد فى النظر وصوبه ، فقال : قد علم أهل الكتاب أو الكتب أنه ما على الأرض أعلم بالكتاب أو الكتب منى ، وإنى لأرى صفتك ، الصفة التي تخرجنا من هذا الدير ، وتغلبنا عليه ، فقلت له : يا هذا ، لقد ذهبت فى غير مذهب. فقال لى : ما اسمك؟ فقلت : عمر بن الخطاب ، قال : أنت والله صاحبنا ، فاكتب لى على ديرى هذا وما فيه ، فقلت : يا هذا ، إنك قد صنعت إلىّ صنيعة فلا تكدرها ، فقال : إنما هو كتاب فى رق ، فإن كنت صاحبنا فذاك ، وإلا لم يضرك شيء ، فكتبت له على ديره وما فيه ، فأتانى بثياب ودراهم ، فدفعها إلىّ ، ثم أوكف أتانا ، فقال : أتراها؟ قلت : نعم ، قال : سر عليها ، فإنك لا تمر بقوم إلا سقوها وعلفوها وأضافوك ، فإذا بلغت مأمنك فاضرب وجهها مدبرة ، فإنهم يفعلون بها كذلك حتى ترجع إلىّ ، قال : فركبتها ، فكان كما قال ، حتى لحقت أصحابى وهم متوجهون إلى الحجاز ، فضربتها مدبرة وانطلقت معهم ، فلما وافى عمر الشام فى خلافته ، جاءه ذلك الراهب بالكتاب ، وهو صاحب دير العدس ، فلما رآه عرفه ، ثم قال : قد جاء ما لا مذهب لعمر عنه ، ثم أقبل على أصحابه فحدثهم بحديثه ، فلما فرغ منه ، أقبل على الراهب ، فقال : هل عندكم من نفع للمسلمين؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، فوفى له عمر رضياللهعنه.