وعن سيف يرفعه إلى سالم بن عبد الله (١) ، قال : لما دخل عمر الشام تلقاه رجل من يهود دمشق ، فقال : السلام عليك يا فاروق ، أنت صاحب إيلياء ، والله لا ترجع حتى يفتح الله إيلياء.
وعند سيف فى أمر إيلياء أحاديث ربما خالفت بعض ما تقدم ، ونحن نورد منها ما يطيل الإمتاع مضموما إلى ذلك ما ذكره من أمر قيسارية وغيره.
فمن ذلك (٢) : أن عمر رحمهالله ، كتب إلى يزيد بن أبى سفيان بعد مصالحة أهل الأردن ، واجتماع عسكر الروم بأجنادين وبيسان وغزة : أن يسرح معاوية إلى قيسارية.
وكتب عمر إلى معاوية : أما بعد ، فإنى قد وليتك قيسارية ، فسر إليها واستنصر الله عليهم ، وأكثر من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله ، الله ربنا وثقتنا ورجاؤنا ومولانا ، نعم المولى ونعم النصير.
فسار معاوية فى جنده حتى نزل على أهل قيسارية ، فهزمهم وحصرهم ، ثم إنهم جعلوا يزاحفونه فلا يزاحفونه فى مرة إلا هزمهم وردهم إلى حصنهم ، ثم زاحفوه آخر ذلك وخرجوا من صياصيهم ، فاقتتلوا فى حفيظة واستماتة ، فبلغ قتلاهم فى المعركة ثمانين ألفا ، وكملها فى هزيمتهم مائة ألف ، وبعث بالفتح مع رجلين من بنى الضبيب ، ثم خاف منهما الضعف ، فبعث آخرين بعدهما ، فلحقاهما ، فطوياهما وهما نائمان ، وانتهى بريد معاوية إلى عمر بالخبر ليلا ، فجمع الناس وأباتهم على الفرح ، وجعل معاوية قبل الفتح وبعده يجلس الأسرى عنده ويقول : ما صنعوا بأسرانا صنعنا بأسراهم مثله ، فمنع بذلك من العبث بأسرى المسلمين ، حتى افتتح قيسارية.
وكان عمر لما أمر معاوية بالتوجه إلى قيسارية ، أمر عمرو بن العاص بصدم الأرطبون وكان على جمع الروم بأجنادين ، وأمر علقمة بن مجزز بصدم القيقار ، وكان على الروم بغزة ، فلما توجه معاوية إلى قيسارية صدم عمرو بن العاص ، إلى الأرطبون ومن بإزائه ، وخرج معه شرحبيل بن حسنة على مقدمته ، وولى مجنبتيه ابنه عبد الله بن عمرو وجنادة ابن تميم من بنى مالك بن كنانة ، واستخلف أبا الأعور على الأردن ، وخرج حتى نزل على الروم بأجنادين ، وهم فى حصونهم وخنادقهم ، وعليهم الأرطبون ، وكان أدهى الروم ، وأبعدها غورا وأنكاها فعلا ، وكان وضع بالرملة جندا عظيما ، وبإيلياء جندا
__________________
(١) انظر : تاريخ الطبرى (٣ / ٦٠٨).
(٢) انظر : تاريخ الطبرى (٣ / ٦٠٤).