عظيما ، وكتب عمرو بالخبر إلى عمر ، فلما جاءه كتابه قال : قد رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب ، فانظروا عم تنفرج.
وأقام عمرو على أجنادين ، لا يقدر من الأرطبون على سقطة ولا تشفيه الرسل ، فولى ذلك بنفسه ، وتوجه فدخل عليه ، كأنه رسول ، فأبلغه ما يريد ، وسمع كلامه حتى عرف ما أراد ، وتأمل حصونه ، فقال أرطبون فى نفسه : والله إن هذا لعمرو ، أو إنه للذى يأخذ عمرو برأيه ، وما كنت لأصيب القوم بأمر أعظم عليهم من قتله ، ثم دعا حرسيا فساره ، فقال : اخرج فقم بمكان كذا فإذا مر بك فاقتله ، وفطن له عمرو ، فقال له : قد سمعت منى وسمعت منك ، وقد وقع ما قلت منى موقعا ، وأنا واحد من عشرة بعثنا عمر بن الخطاب مع هذا الوالى لنكانفه ويشهدنا أموره ، فأرجع فآتيك بهم الآن ، فإن رأوا مثل الذي أرى فقد رآه أهل العسكر ورآه الأمير ، وإن لم يروه رددتهم إلى مأمنهم ، وكنت على رأس أمرك. قال : نعم ، ودعا فلانا فساره ، وقال : اذهب إلى فلان ، يعنى ذلك الحرسى ، فرده إلىّ ، فرجع إليه الرجل ، وقال لعمرو : انطلق فجئ بأصحابك ، فخرج عمرو ورأى أن لا يعود لمثلها ، وعلم الرومى أنه خدعه فقال : هذا أدهى الخلق ، وبلغت عمر فقال : غلبه عمرو (١).
ثم ناهده عمرو وقد عرف مأخذه ، فالتقوا بأجنادين ، فاقتتلوا قتالا شديدا كقتال اليرموك ، حتى كثرت القتلى بينهم ، ثم انهزم أرطبون فى الناس ، فأوى إلى إيلياء ، ونزل عمرو أجنادين وانطلق علقمة بن مجزز فحصر القيقار بغزة ، وجعل يراسله فلم يشفه أحد مما يريد ، فأتاه كأنه رسول علقمة ، فأمر القيقار رجلا أن يقعد له بالطريق ، فإذا مر قتله ، ففطن علقمة ، فقال : إن معى نفرا شركائى فى الرأى ، فأنطلق فآتيك بهم ، فبعث إلى ذلك الرجل أن لا يعرض لعلقمة ، فخرج من عنده ولم يعد ، كما فعل عمرو بالأرطبون.
ولما أتى أرطبون إيلياء ، أفرج له المسلمون حتى دخلها ، ثم أزالهم إلى أجنادين ، وكتب إلى عمرو : بأنك صديقى ونظيرى ، أنت فى قومك مثلى فى قومى ، والله لا تفتتح من فلسطين شيئا بعد أجنادين ، فارجع فلا تغر فتلقى ما لقى الذين قبلك من الهزيمة ، فدعا عمرو رجلا يتكلم بالرومية ، فأرسله إلى أرطبون ، وأمره أن يتنكر ويقرب ويستمع ما يقول ، حتى يخبره به إذا رجع ، وكتب إلى أرطبون :
جاءنى كتابك ، وأنت نظيرى ، ومثلى فى قومك ، لو أخطأتك خصلة تجاهلت
__________________
(١) انظر : تاريخ الطبرى (٣ / ٦٠٤ ـ ٦٠٦).