فقال له : إنى أريد أن آتيك بنفر من أصحابى حتى يسمعوا منك مثل الذي سمعت ، فقال العلج فى نفسه : قتل جماعة أحب إلىّ من قتل واحد ، فأرسل إلى الذي كان على الباب يأمره بالكف عن عمرو رجاء أن يأتيه بأصحابه فيقتلهم ، فخرج عمرو ولم يعد.
وفى حصار المسلمين هذا الحصن كان عبادة بن الصامت يوما فى ناحية يصلى وفرسه عنده ، فرآه قوم من الروم ، فخرجوا إليه وعليهم حلية وبزة ، فلما دنوا منه سلم من صلاته ، ووثب على فرسه ، ثم حمل عليهم ، فلما رأوه غير مكذب عنهم ولوا راجعين ، واتبعهم ، فجعلوا يلقون مناطقهم ومتاعهم ليشغلوه بذلك عن طلبهم ، ولا يلتفت إليه حتى دخلوا الحصن ، ورمى عبادة من فوق الحصن بالحجارة ، فرجع ولم يعرض لشىء مما كانوا طرحوا من متاعهم ، حتى أتى موضعه الذي كان به ، فاستقبل الصلاة ، وخرج الروم إلى متاعهم يجمعونه.
ولما أبطأ الفتح على عمرو بن العاص قال الزبير : إنى أهب نفسى لله وأرجو أن يفتح الله بذلك على المسلمين ، فوضع سلما إلى جانب الحصن ثم صعد ، وأمرهم إذا سمعوا تكبيره أن يجيبوه جميعا ، فما شعروا إلا والزبير على رأس الحصن يكبر معه السيف ، وتحامل الناس على السلم حتى نهاهم عمرو خوفا من أن ينكسر. ولما اقتحم الزبير وتبعه من تبعه وكبر ، وكبر من معه وأجابهم المسلمون من خارج ، لم يشك أهل الحصن أن العرب قد اقتحموه جميعا ، فهربوا ، وعمد الزبير وأصحابه إلى باب الحصن ففتحوه ، واقتحمه المسلمون ، فلما خاف المقوقس على نفسه ومن معه سأل عمرو بن العاص الصلح ودعاه إليه ، على أن يفرض للعرب على القبط دينارين دينارين على كل رجل منهم ، فأجابه عمرو إلى ذلك.
وكان مكثهم على باب القصر حتى فتحوه سبعة أشهر فيما روى عن الليث.
قال ابن عبد الحكم : وقد سمعت فى فتح القصر وجها آخر مخالفا للحديثين المتقدمين ، فالله أعلم.
ثم أورد بإسناد يرفعه إلى جماعة من التابعين ، يزيد بعضهم على بعض ، أن المسلمين لما حاصروا باب اليون وكان به جماعة من الروم وأكابر القبط ورؤسائهم وعليهم المقوقس فقاتلوهم بها شهرا ، فلما رأى القوم الجد منهم على فتحه والحرص ورأوا من صبرهم على القتال ورغبتهم فيه خافوا أن يظهروا عليهم ، فتنحى المقوقس وجماعة من أكابر القبط ، وخرجوا من باب القصر القبلى ودونهم جماعة يقاتلون العرب ، فلحقوا بالجزيرة ، موضع الصناعة اليوم ، وأمروا بقطع الجسر ، وذلك فى جرى النيل.