فى جريدة خيل ، فاعترضاه يظنانه هاربا ، فأخذهما أسيرين فضرب أعناقهما ، وقال : أنتما كذبتما أميرنا واستفززتماه.
وخرج أهل أليس على أصحابها ، فأخذوهم فجاءوا بهم إلى المثنى ، فضرب أعناقهم ، وعقد بذلك لأهل أليس ذمة ثم رجع إلى عسكره.
وقيل : بل لقيهم المثنى فقتل مردانشاه فى المعركة وأسر جابان فضرب المثنى رقبته ، وقد تقدم فى ذكر ملتقى أبى عبيد بجابان بين الحيرة والقادسية أن أكتل بن شماخ العكلى أسر مردانشاه ثم ضرب عنقه ، وأسر مطر بن فضة جابان فخدعه وافتدى منه ، وأحد الأمرين هو الصحيح فى قتل مردانشاه ، فالله أعلم.
وانهزم المشركون ، ومضى المثنى إلى أليس ، وتفرق بنو تميم إلى بواديهم ، ومضى أهل المدينة وأسد غطفان فنزلوا الثعلبية. وكان لعروة بن زيد الخيل من حسن الغناء فى يوم الجسر ما تقدم ذكره ، فقال له المثنى : يا عروة ، أما والله لو أن معى مثلك ألف فارس من العرب ما تهيبت أن أصبح ابن كسرى فى مدائنه وما كنت أكره أن ألقى مثل هذا الجمع الذي فل المسلمين مصحرا ولرجوت أن يظفرنى الله بهم ، فهل لك فى المقام معى لا أوثر عليك نفسى ولا أحدا من قومى؟ قال : لا ، إنى كنت مع هذا الرجل ، يعنى أبا عبيد ، وقد أصيب ، فأرجع إلى عمر فيرى رأيه.
فلما نزل الناس التعلبية سألوا عروة أن يأتى عمر بن الخطاب ، رضياللهعنه ، بكتابهم ، فكتبوا إليه : إنا لقينا عدو الإسلام من أهل فارس بمكان يقال له قس الناطف فقتل أميرنا أبو عبيد وأمراء أمرهم أبو عبيد ، وسليط بن قيس ورجال من المسلمين منهم من تعرف ، ومنهم من تنكر ، وتولى أمر الناس المثنى بن حارثة أخو بنى شيبان فحماهم فى فوارس ، جزاهم الله عن الإسلام خيرا ، فكتبنا إليك وقد نزلنا الثعلبية فرارا من الزحف لا نرى إلا إنّا قد هلكنا ، وقد بعثنا إليك فارس المسلمين عروة يخبرك عنا ويأتينا بأمرك.
فلما قرأ عمر الكتاب فانتهى إلى قوله : منهم من تعرف ومنهم من تنكر بكى وقال : ما ضر قوما عرفهم الله أن ينكرهم عمر ، لكن الله لا يخفى عليه من عباده المحسنون ، يا عروة ارجع إليهم فأعلمهم أنهم ليسوا بفرار ، وإنما انحازوا إلىّ ، وأنا لهم فئة ، وسيفتح الله عليهم تلك البلاد إن شاء الله ، يرحم الله أبا عبيد لو انحاز إلينا واعتصم بالحيف لكنا له فئة.