وكتب عمر مع عروة إلى المثنى بن حارثة : أما بعد ، فإن الله كتب القتل على قوم فلم يكن مماتهم ليكون إلا قتلا ، وكتب على قوم الموت فهم يموتون موتا ، فطوبى لمن قتل فى سبيل الله محتسبا نفسه صابرا ، وقد بلغنى عنك ما كنت أحب أن تكون عليه ، فالزم مكانك الذي أنت به ، وادع من حولك من العرب ، ولا تعجل إلى قتال إلا أن تقاتل ، أو ترى فرصة حتى تأتيك أمداد المسلمين ، وكأن قد أتتك على الصعبة والذلول.
فقدم عروة بن زيد على المثنى بكتاب عمر ، ورجع أهل الحجاز وأسد وغطفان إلى بلادهم ، وأقام المثنى حتى قدمت الأمداد.
ويقال : إن أول خبر تحدث به عن أهل الجسر بالمدينة أن رجلا قدمها من الطائف فجلس إلى حذاء فقال : ما لى لا أسمع أهل المدينة يبكون قتلاهم؟ فقال له الحذاء : ومن قتل؟ قال :
قتل أبو عبيد بن مسعود ، وسليط بن قيس ، فأخذ الحذاء بتلابيبه حتى أتى به عمر فأخبره بما قال ، فقال له عمر : ما تقول ويلك! قال : يا أمير المؤمنين إنّا منذ ليال بفناء من أفنية الطائف إذ سمعنا أصوات نساء من ناحية باب شهار يقلن : يا أبا عبيداه ، ويا سليطاه ، وسمعنا قائلا يقول :
إن بالجسر فتية سعداء |
|
صبرا صادقين يوم اللقاء |
كم تقى مجاهد كان فيهم |
|
خاشع القلب مستجاب الدعاء |
يجأر الليل كله بعويل |
|
ونجيب وزفرة وبكاء |
قال : فما انقضى حديثه حتى قدم عبد الله بن زيد الخطمى ، وكان أول من قدم بخبر الجسر ممن شهده فمر بباب حجر عائشة ، ويقال : أتى عمر وهو على المنبر فلما دخل المسجد ورآه عمر قال : ما عندك يا ابن زيد؟ قال : أتاك الخبر يا أمير المؤمنين ، ثم صعد إليه فأخبره ، فقالت عائشة : ما رأينا رجلا حضر أمرا فحدث عنه كان أثبت حديثا من عبد الله بن زيد ولا أخفى فزعا.
ولما قدم أهل المدينة المدينة وأخبروا عمن سار منهم إلى البادية استحياء من الهزيمة ، اشتد ذلك على عمر ، رحمهالله ، فرق للناس ورحمهم ، وقال : اللهم إن كل مسلم فى حل منى ، أنا فئة كل مسلم ، من لقى العدو ففزع بشيء من أمره فأنا له فئة ؛ يرحم الله أبا عبيد ، لو كان انحاز إلىّ لكنت له فئة.
وكان معاذ القارئ ممن شهدها وفر يومئذ ، وكان يصلى بالناس فى شهر رمضان على