فامضوا على بركة الله ، فأمر عمر على الأزد رجلا منهم ، وعلى كنانة غالب بن عبد الله الليثى فشخصوا إلى أرض الكوفة ، فقدموا على المثنى بن حارثة ، فأقبل بهم حتى نزلوا العذيب.
وفيما ذكره سيف (١) أن الأزد وكنانة لما سألوا الشام قال لهم عمر : ذلك وجه قد كفيتموه ، العراق العراق اذروا بلدة قد فل الله شوكتها وعدوها ، واستقبلوا جهاد قوم قد حووا فنون العيش ، لعل الله أن يرث بكم قسطكم من ذلك فتعيشوا مع من عاش من الناس ، فقال غالب الليثى وعرفطة البارقى ، كل واحد منهما لقومه : يا عشيرتاه أجيبوا أمير المؤمنين إلى ما أراد ، فقال كل فريق لصاحبهم : إنا قد أطعناك وأجبنا أمير المؤمنين إلى ما أراد ، فدعا لهم عمر بخير ، وأمر على كنانة غالبا وسرحه فيهم ، وأمر على الأزد عرفجة بن هرثمة البارقى وعامتهم من بارق ، وفرحوا برجوع عرفجة إليهم. فخرج هذا فى قومه وهذا فى قومه حتى قدما على المثنى ، وكان عرفجة هذا حليفا فى بجيلة لأمر عرض له فى قومه أخرجه عنهم ، ومن قدمته هذه رجع إلى قومه ونسبه حسب ما يذكر بعد إن شاء الله تعالى.
وقدم بعدهم أربعمائة أهل بيت من كندة والسكون ، فيهم الأشعث بن قيس ومعاوية بن حديج وشرحبيل بن السمط ، فقالوا : يا أمير المؤمنين قدمنا نريد سلفنا بالشام ، فنظر إليهم وعليهم الحلل فأعرض عنهم ، فكلموه ، أيضا ، فلم يأمرهم بشيء ، فقيل له : ما يمنعك؟ قال : إنى لمتردد فيهم منقبض عنهم ، لا ينزل هؤلاء بلدا إلا فتنوا أهله ، وما قدم أحد المدينة أكره إلىّ منهم ، فأمضى نصفهم إلى الشام ، عليهم معاوية بن حديج ، ونصفهم إلى العراق عليهم شرحبيل بن السمط.
وقدم من مذحج المدينة ألف بيت فيهم ثلاثمائة أهل بيت من النخع ، فقال عمر : سيروا إلى أرض فارس ، قالوا : لا ، ولكنا نسير إلى الشام ، فقال يزيد بن كعب النخعي : أنا أخرج فيمن أطاعنى ، فخرج فى ثلاثمائة أهل بيت من النخع ، وقال هند الجملى : أنا أخرج فيمن أطاعنى ، فخرج فى خمسمائة أهل بيت من مراد ، فكان عمر يقول بعد ذلك: سيد أهل الكوفة سمى المرأة هند الجملى.
ثم قدم المدينة أهل ألف بيت من همدان ، فقالوا لعمر : خر لنا. قال : أرض العراق.
قالوا : بل الشام ، قال : بل العراق ، فصرفوا ركابهم إلى العراق.
__________________
(١) انظر : الطبرى (٣ / ٤٦٣).