كبرت الثالثة فاحملوا ، فنظر إلى سعد بن عبيد الأنصاري قد نصل من الصف ، فقال : من أنت؟ قال : سعد بن عبيد ، فررت يوم الجسر من الزحف ، فأردت أن أجعل توبتى من فرتى أن أشرى نفسى لله. فقال له : إن خيرا مما تريد أن تقف مع المسلمين فتناضل عن دينك.
وقال جرير : يا معشر بجيلة ، إن لكم فى هذه البلاد إن فتحها الله لكم حظا ليس لغيركم ، فاصبروا التماس إحدى الحسنيين : الشهادة فثوابها الجنة أو النصر ففيه الغنى من العيلة ، ولا تقاتلوا رياء ولا سمعة ، بحسب امرئ من خساسته حظا أن يريد بجهاده وعدوه حمد أحد من الخلق.
ومر المثنى على الرايات راية راية يحرضهم ويهزهم بأحسن ما فيهم ، ولكلهم يقول : إنى لأرجو أن لا تؤتى العرب اليوم من قبلكم ، والله ، ما يسرنى اليوم لنفسى شيء إلا وهو يسرنى لعامتكم ، فيجيبونه بمثل ذلك ، وأنصفهم المثنى فى القول والفعل ، وخالط الناس فى المكروه والمحبوب ، فلم يستطع أحد منهم أن يعيب له قولا ولا عملا ، ووقف على أهل الميمنة فنظر إلى رجل من العنبر على فرس عتيق رائع ، فقال : يا أخا بنى العنبر ، إنك لمن قوم صدق فى اللقاء ، أما والله يا بنى تميم إنكم لميامين فى الحرب ، صبر عند البأس ، إنى لأرجو أن يعز الله بكم دينه.
وقال للأزد : اللهم صبحهم برضوانك ، وادفع عنهم عين الحاسد ، أنتم والله الأنجاد الأمجاد الحسان الوجوه ، وإنى لأرجو أن يأتى العرب اليوم منكم ما تقر به أعينهم ، ونظر إلى فوارس من قيس فى القلب فقال : نعم فتيان الصباح أنتم ، اللهم جللهم عافيتك وافرغ عليهم الصبر ، يوما كبعض أيامكم ، ونظر إلى ناس من طيئ فى القلب ، فقال : جزاكم الله خيرا ، فنعم الحى أنتم فى اللقاء وعند العطاء ، فإنه ليحضهم إذ شدت كتيبة من العجم على الميسرة وفيها بكر وكندة فصبروا لهم ، ثم شدت عليهم الثانية فانكشفت بكر وكندة ، فقال المثنى : إن الخيل تنكشف ثم تكر ، يا معشر طيئ الزموا مصافكم وأغنوا ما يليكم ، واعترض الكتيبة التي كشفتهم بخيل كانت معه فمنعهم من اتباعهم وقاتلهم ، فثارت عجاجة بينهم ورجع أهل الميسرة ، وأقبلت الميمنة نحو المثنى وقد انكشف العدو عنه ، وسيفه بيده وقد جرح جراحات وهو يقول : اللهم عليك تمام النصر ، هذا منك ، فلك الحمد ، فقال له مخنف بن سليم الغامدى : الحمد لله الذي عافاك ، فقد كنت أشفقت عليك. قال : كم من كربة قد فرجها الله ، هل منعم عليه يكافئ ربه بنعمة من نعمه!!.