الجيش الذي كان تهيأ للخروج معه فى بعثه قال : فدخلت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقد أصمت فلا يتكلم ، وجعل يرفع يديه إلى السماء ، ثم يضعهما على ، أعرف أنه يدعو لى.
وذكر ابن إسحاق (١) : من حديث أبى بكر بن عبد الله بن أبى مليكة أن مما تكلم به رسول الله صلىاللهعليهوسلم للناس يوم صلى قاعدا عن يمين أبى بكر أن قال لهم لما فرغ من الصلاة وأقبل عليهم فكلمهم رافعا صوته حتى خرج صوته من باب المسجد ، يقول : «يا أيها الناس ، سعرت النار ، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، إنى والله ما تمسكون على بشيء ، إنى لم أحل إلا ما أحل القرآن ، ولم أحرم إلا ما حرم القرآن».
قال : فلما فرغ رسول الله صلىاللهعليهوسلم من كلامه قال له أبو بكر : يا رسول الله ، إنى أراك قد أصبحت بنعمة من الله وفضل كما نحب ، واليوم يوم بنت خارجة ، أفآتيها؟ قال : «نعم» ، ثم دخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم وخرج أبو بكر إلى أهله بالسنح (٢).
وعن عبد الله بن عباس قال : خرج يومئذ على بن أبى طالب رضياللهعنه على الناس من عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال له الناس : يا أبا حسن ، كيف أصبح رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟
قال : أصبح بحمد الله بارئا. قال : فأخذ العباس بيده ، ثم قال : يا على ، أنت والله عبد العصا ، بعد ثلاث مرات ، أحلف بالله لقد رأيت الموت فى وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم كما كنت أعرفه فى وجوه بنى عبد المطلب ، فانطلق بنا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإن كان هذا الأمر فينا عرفناه ، وإن كان فى غيرنا أمرناه فأوصى بنا الناس. فقال على : إنى والله لا أفعل ، والله لئن منعناه لا يؤتيناه أحد بعده ، فتوفى رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين اشتد الضحى من ذلك اليوم.
وقالت عائشة رضياللهعنها : رجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى ذلك اليوم حين دخل المسجد فاضطجع فى حجرى ، فدخل على رجل من آل أبى بكر وفى يده سواك أخضر ، فنظر إليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى يده نظرا عرفت أنه يريده ، فقلت : يا رسول الله ، أتحب أن أعطيك هذا السواك؟ قال : «نعم» ، قالت : فأخذته فمضغته له حتى لينته ، ثم أعطيته إياه ؛ قالت : فاستن به كأشد ما رأيته استن بسواك قط ، ثم وضعه ؛ ووجدت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يثقل فى حجرى ، فذهبت أنظر فى وجهه ، فإذا بصره قد شخص وهو يقول : «بل الرفيق الأعلى من الجنة» (٣) ؛ قالت : فقلت : خيرت فاخترت والذي بعثك بالحق.
__________________
(١) انظر : السيرة (٤ / ٢٧٨).
(٢) انظر الحديث فى : دلائل النبوة للبيهقى (٧ / ٢٠١).
(٣) انظر الحديث فى : مسند الإمام أحمد (٦ / ٢٧٤) ، إتحاف السادة المتقين للزبيدى (١٠ / ٢٨٨ ، ٢٩٣).