قالوا : ولما انتهى رستم إلى العتيق ، وقف عليه بحيال عسكر سعد ، ونزل الناس ، فما زالوا يتلاحقون وينزلهم فينزلون ، حتى اعتموا من كثرتهم.
وقال المدائنى : مكثوا ليلتهم كلها يتحدرون ، ومن غد إلى قريب من نصف النهار بعده تجب منها القلوب.
وقال قيس بن أبى حازم ، وكان شهد القادسية : كان مع رستم ثمانية عشر فيلا ، ومع الجالينوس خمسة عشر فيلا.
وقال غيره : كان فى جملتها فيل سابور الأبيض ، وكانت الفيلة تألفه ، وكان أعظمها وأقدمها.
وقال الرفيل : كانت ثلاثة وثلاثون ، فى القلب ثمانية عشر ، وفى المجنبتين خمسة عشر.
قال : ولما نزل رستم العتيق وبات به ، أصبح غاديا على التصفح والتحرز ، فساير العتيق نحو خفان ، حتى أتى على مقطع عسكر المسلمين ، ثم صعد حتى انتهى إلى القنطرة ، فتأمل القوم ، حتى أتى على تل يشرف عليهم ، فلما وقف على القنطرة أرسل زهرة بن جوية ، وكان هناك مسلحة لسعد ، فخرج إليه حتى واقفه ، فأراده على أن يصالحهم ، ويجعل له جعلا على أن ينصرفوا عنه ، وجعل يقول إنكم جيراننا وقد كانت طائفة منكم فى سلطاننا ، فكنا نحسن جواركم ، ونكف الأذى عنكم ، ونوليهم المرافق الكثيرة ، ونحفظهم فى أهل باديتهم ، فنرعيهم مراعينا ، ونميرهم من بلادنا ولا نمنعهم التجارة فى شيء من أرضنا ، فقد كان لهم فى ذلك معاش ، يعرض له بالصلح ولا يصرح ، فقال له زهرة : صدقت ، قد كان ما تذكر ، وليس أمرنا أمر أولئك ولا طلبتنا طلبتهم. إنا لم نأتكم لطلب الدنيا ، إنما طلبتنا وهمتنا الآخرة ، كما ذكرت ، يدين لكم من قدم عليكم منا ، ويضرع إليكم يطلب ما فى أيديكم ، ثم بعث الله ، عزوجل ، إلينا رسولا ، فدعانا إلى دينه فأجبناه ، فقال لنبيه صلىاللهعليهوسلم : إنى قد سلطت هذه الطائفة على من لم يدن بدينى ، فأنا منتقم بهم منه ، وأجعل لهم الغلبة ما داموا مقرين به وهو دين الحق ، لا يرغب عنه أحد إلا ذل ، ولا يعتصم به أحد إلا عز.
قال رستم : وما هو؟ قال : أما عموده الذي لا يصلح منه شيء إلا به ، فشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، والإقرار بما جاء به من عند الله تعالى.