إلى رستم بمجيئه ، فاستشار عظماء أهل فارس ، فقال : ما ترون؟ أنباهي أم نتهاون؟ فاجتمع ملؤهم على المباهاة ، فأظهروا الزبرج ، وبسطوا البسط والنمارق ، ولم يتركوا شيئا ، ووضعوا لرستم سرير الذهب ، وألبس زينته ، من الأنماط والوسائد المنسوجة بالذهب. وأقبل ربعى يسير على فرس له زباء قصيرة ، معه سيف له مشوف وغمده لفافة ثوب خلق ، ورمحه معلوب بقد ، معه حجفة من جلود البقر ، على وجهها أديم أحمر مثل الرغيف ، ومعه فرسه ونبله.
فلما انتهى إلى أدنى البسط ، قيل له : انزل ، فحمل فرسه عليها ، فلما استوت على البسط نزل عنها وربطها بوسادتين فشقهما ، ثم أدخل الحبل فيهما ، فلم يستطيعوا أن ينهوه ، وإنما أروه التهاون ، وعرف ما أرادوا ، فأراد استحراجهم ، وعليه درع له كأنه أضاة ، ويلمقة عباءة بعيره ، قد جابها وتدرعها ، وشدها على وسطه بسلب ، ولأسه أربع ضفائر ، قد قمن قياما ، كأنهن قرون الوعول ، وكان أكثر العرب شعرة. فقالوا له : ضع سلاحك ، فقال : إنى لم آتكم فأضع سلاحى بأمركم ، أنتم دعوتمونى ، فإن أحببتم أن آتيكم كما أريد وإلا رجعت. فأخبروا رستما ، فقال : ائذنوا له ، هل هو إلا رجل فأقبل يتوكأ على رمحه ، وزجه نصل يقارب الخطو ، ويزج النمارق والبسط ، فما ترك لهم نمرقة ولا بساطا إلا أفسده وتركها متهتكة مخرقة.
فلما دنا من رستم تعلق به الحرس ، وجلس على الأرض ، وركز رمحه فى البساط ، فقالوا : ما حملك على هذا؟ قال : إنا لا نستحب القعود على زينتكم. فقال له رستم : ما جاء بكم؟ فقال : الله ابتعثنا ، وجاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله تعالى ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه ، فمن قبله قبلنا ذلك منه ، ورجعنا عنه وتركناه وأرضه يليها دوننا ، ومن أبى قاتلناه أبدا ، حتى نفضى إلى موعود الله. قال : وما موعود الله؟ قال : الجنة لمن مات على قتال من أبى ، والظفر لمن بقى. قال رستم : قد سمعنا مقالتكم ، فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا قال : نعم ، كم أحب إليك؟ أيوم أم يومان؟ قال : لا ، بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا. فقال : إن مما سن لنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وعمل به أئمتنا ، ألا نمكن الأعداء من بداتنا ، ولا نؤجلهم عند الالتقاء أكثر من ثلاث ، فنحن مترددون عنكم ثلاثا ، فانظر فى أمرك واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل ، اختر الإسلام وندعك وأرضك ، أو الجزاء فنقبل ونكف عنك ، وإن كنت عن نصرنا غنيا تركناك منه ، وإن كنت إليه محتاجا منعناك ، أو المنابذة فى اليوم الرابع ، ولسنا نبدؤك فيما