لتهاونهم ، عليهم التيجان والثياب المنسوجة بالذهب ، وبسطهم على غلوة لا يصل إلى صاحبهم حتى يمشى عليها غلوة ، وجاء المغيرة وله أربع ضفائر يمشى ، حتى جلس معه على سريره وشارته ، فوثبوا إليه فنتروه وأنزلوه ومغثوه ، فقال : إنه كانت تبلغنا عنكم أحلام ، ولا أرى قوما أسفه منكم ، إنا معشر العرب سواء ، لا يستعبد بعضنا بعضا إلا أن يكون محاربا لصاحبه ، فظننت أنكم تواسون قومكم كما نتواسى ، وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبرونى أن بعضكم أرباب بعض ، وأن هذا الأمر لا يستقيم فيكم فلا نصنعه ، ولم آتكم ولكنكم دعوتمونى ، زاد المدائنى : وليس ينبغى لكم إذا أرسلتم إلىّ أن تمنعونى من الجلوس حيث أردت ، وما أكلمكم إلا وأنا جالس معه ، اليوم علمت أنكم مغلوبون ، وأن ملكا لا يقوم على هذه السيرة ، ولا على هذه العقول.
فقالت السفلة : صدق والله العربى ، وقالت الدهاقين : والله لقد رمى بكلام لا يزال خولنا والضعفاء منا ينزعون إليه ، قاتل الله أولينا ، ما كان أحمقهم حين يصغرون أمر هذه الأمة فمازحه رستم ليمحو ما صنع به ، فقال له : يا عربى ، إن الحاشية قد تصنع ما لا يوافق الملك ، فيتراخى عنها مخافة أن يكسرها عما ينبغى من ذلك ، والأمر على ما تحب من الوفاء وقبول الحق ، وليس ما صنعوا بضائرك ولا ناقصك عندنا ، فاجلس حيث شئت ، فأجلسه معه ، ثم قال : ما هذه المغازل التي معك؟ ، يعنى السهام ، قال : ما ضر الجمرة أن لا تكون طويلة ثم راماهم ، ثم قال له رستم : تكلم أو أتكلم؟ فقال المغيرة : أنت الذي بعثت إلينا ، فتكلم ، فأقام الترجمان بينهما ، وتكلم رستم ، فحمد قومه ، وعظم الملك والمملكة ، وقال : لم نزل متمكنين فى البلاد ، ظاهرين على الأعداء ، أشرافا فى الأمم ، ليس لأحد من الملوك مثل عزنا وشرفنا وسلطاننا ، ننصر على الناس ولا ينصرون علينا إلا اليوم أو اليومين أو الشهر أو الشهرين ، لأجل الذنوب ، فإذا انتقم الله منا فرضى رد إلينا عزنا ، ثم إنه لم تكن فى الناس أمة أصغر عندنا أمرا منكم ، كنتم أهل قشف ومعيشة سيئة ، لا نراكم شيئا ولا نعدكم ، وكنتم إذا قحطت أرضكم وأصابتكم السنة استعنتم بناحية أرضنا فنأمر لكم بشيء من التمر والشعير ثم نردكم ، وقد علمت أنه لم يحملكم على ما صنعتم إلا ما أصابكم من الجهد فى بلادكم ، فأنا آمر لأميركم بكسوة وبغل وألف درهم ، وآمر لكل واحد منكم بوقر من تمر وبثوبين ، وتنصرفون عنا ، فإنى لست أشتهى أن أقتلكم ، ولا آسركم.
فتكلم المغيرة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إن الله سبحانه خالق كل شيء ورازقه ، يرفع من يشاء ويضع من يشاء ، فمن صنع شيئا فإن الله ، تبارك اسمه وتعالى ،