ويطعنونهم حتى حبسنا الفيلة عنهم ، وخرج إلى طليحة عظيم منهم فبارزه ، فما ألبثه طليحة أن قتله.
قالوا : وقام الأشعث بن قيس ، فقال : يا معشر كندة ، لله در بنى أسد أى فرى يفرون وأى هذ يهذون عن موقفهم منذ اليوم أغنى كل قوم ما يليهم ، وأنتم تنظرون من يكفيكم البأس ، أشهد ما أحسنتم أسوة إخوانكم من العرب ، وأنهم ليقتلون ويقتلون ، وأنتم جثاة على الركب ، فوثب إليه منهم عشرة ، فقالوا : عثر جدك إنك لتؤيسنا يا هذا ، نحن أحسن الناس موقفا! فمن أين خذلنا قومنا العرب وأسأنا أسوتهم؟ فها نحن معك ، فنهد ونهدوا ، فأزالوا الذين بإزائهم.
ولما رأى أهل فارس ما تلقى من كتيبة بنى أسد رموهم بحدهم ؛ وبدر المسلمون الشدة عليهم ، وهم ينتظرون التكبيرة الرابعة من سعد ، فاجتمعت حلبة فارس ، فيهم ذو الحاجب والجالينوس ، على بنى أسد ومعهم تلك الفيلة ، وقد ثبتوا لهم ، وكبر سعد التكبيرة الرابعة ، فزحف إليهم المسلمون ورحى الحرب تدور على بنى أسد ، وحملت الفيول فى الميمنة والميسرة على الخيول ، فكانت الخيول تحجم عنها وتحيد ، وألح فرسانهم على الرجل ، وجد المقاتلة مع الفيلة ، فقال بعض الأسديين : والله لأموتن أو لأطعنن عينى بعض هذه الفيلة ، فقصد لأعظمها فيلا فقاتل حتى وصل إليه ، وعلى كل فيل قوم يقاتلون ، فطعن فى عين ذلك الفيل بسيفه ، وضربه سائس الفيل بعمود فهشم وجهه ، وأدبر الفيل فخبط من حوله ، واشتد القتال عند فيل منها ، فقال حبيش الأسدي لبشر بن أبى العوجاء الطائى : أرى القتال قد اشتد عند هذا الفيل ، فتبايعنى على الموت فنحمل على حماته فنكشفهم أو نقتل دونه. قال : نعم ، فحملا فضرب حبيش رجلا من الفرس من حماة الفيل فقتله ، ودنوا من الفيل ، فضرب حبيش مشفره فرمى به وضرب الطائى ساقه فبرك الفيل ، وانطوت الفرس على بنى أسد ، فقتل حبيش.
وأرسل سعد إلى عاصم بن عمرو ، فقال : يا معشر بنى تميم ، ألستم أصحاب الإبل والخيل؟ أما عندكم لهذه الفيلة من حيلة ، قالوا : بلى والله ، ثم نادى عاصم فى رجال من قومه رماة وأخر أهل ثقافة ، فقال : يا معشر الرماة ، ذبوا ركبان الفيلة عنا ، ويا معشر أهل الثقافة ، استدبروا الفيلة فقطعوا وضنها ، وخرج يحميهم والرحى دائرة على بنى أسد ، وقد جالت الميمنة والميسرة غير بعيد ، وأقدم أصحاب عاصم على الفيلة ، فأخذوا بأذنابها وذباب توابيتها فقطعوا وضنها ، فما بقى لهم يومئذ فيل إلا أعرى ، وقتل أصحابها ، وتقاتل الناس ونفس عن بنى أسد ، وردوا عنهم الفرس إلى مواقفهم ، فاقتتلوا حتى غربت