بكر أن يتلاحق الناس من خلفه ، ويكون أسرع لخروجهم ، ووكل بالناس محمد بن مسلمة يستحثهم ، فانتهى إلى بقعاء عند غروب الشمس ، فصلى بها المغرب ، وأمر بنار عظيمة فأوقدت ، وأقبل خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر وكان ممن ارتد ، فى خيل من قومه إلى المدينة يريد أن يخذل الناس عن الخروج ، أو يصيب غرة فيغير ، فأغار على أبى بكر رضياللهعنه ، ومن معه ، وهم غافلون ، فاقتتلوا شيئا من قتال ، وتحيز المسلمون ، ولاذ أبو بكر بشجرة ، وكره أن يعرف ، فأوفى طلحة بن عبيد الله على شرف فصاح بأعلى صوته لا بأس ، هذه الخيل قد جاءتكم ، فتراجع الناس ، وجاءت الأمداد ، وتلاحق المسلمون ، فانكشف خارجة بن حصن وأصحابه ، وتبعه طلحة بن عبيد الله فيمن خف معه ، فلحقوه فى أسفل ثنايا عوسجة ، وهو هارب لا يألو فيدرك أخريات أصحابه ، فحمل طلحة على رجل بالرمح فدق ظهره ، ووقع ميتا ، وهرب من بقى ، ورجع طلحة إلى أبى بكر ، فأخبره أن قد ولوا منهزمين هاربين ، وأقام أبو بكر ببقعاء أياما ينتظر الناس ، وبعث إلى من كان حوله من أسلم وغفار ومزينة وأشجع وجهينة وكعب يأمرهم بجهاد أهل الردة ، والخفوف إليهم ، فتحلب الناس إليهم من هذه النواحى ، حتى شحنت منهم المدينة.
قال سبرة الجهنى (١) : قدمنا معشر جهينة أربعمائة معنا الظهر والخيل ، وساق عمرو ابن مسرة الجهنى مائة بعير عونا للمسلمين ، فوزعها أبو بكر فى الناس ، وجعل عمر بن الخطاب ، وعلى بن أبى طالب يكلمان أبا بكر فى الرجوع إلى المدينة لما رأيا عزمه على المسير بنفسه ، وقد توافى المسلمون وحشدوا ، فلم يبق أحد من أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، من المهاجرين والأنصار من أهل بدر إلا خرج ، وقال عمر : ارجع يا خليفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، تكن للمسلمين فئة وردءا ، فإنك إن تقتل يرتد الناس ويعل الباطل الحق ، وأبو بكر مظهر المسير بنفسه ، وسألهم بمن نبدأ من أهل الردة ، فاختلفوا عليه ، فقال أبو بكر : نصمد لهذا الكذاب على الله وعلى كتابه ، طليحة.
ولما ألحوا على أبى بكر فى الرجوع ، وعزم هو عليه ، أراد أن يستخلف على الناس ،
__________________
(١) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٩١٣) ، الإصابة الترجمة رقم (٣٠٩٤) ، أسد الغابة الترجمة رقم (١٩٣٦) ، مشاهير علماء الأمصار (٣٥) ، الوافى بالوفيات (١٥ / ١١١) ، تهذيب الكمال (١٠ / ٢٠٣) ، تهذيب التهذيب (٣ / ٤٥٠٣) ، تقريب التهذيب (١ / ٢٨٣) ، خلاصة تذهيب التهذيب (١٣٣) ، تاريخ الإسلام (١ / ٢١٢).