شدقيه تحت سرير فرعون والآخر فوقه ، وفرعون على سريره ، فسلح في ثيابه ، فلمّا عاين الناس ذلك من أمر الثعبان وكان قد اجتمع أهل المدينة بأسرها ، فلما انهزموا ولّوا ذاهبين ، تزاحموا في الأبواب وتضاغطوا ، وضاقت عليهم ، فوطئ بعضهم بعضا ، فمات يومئذ خمسة وعشرون ألفا ، وقام فرعون فوقع عن سريره ، وكان الله قد أملأه حتى صار آية ، كان يمكث أربعين يوما لا يخرج من بطنه شيء ، ولا يحدث إلّا في كل أربعين يوما مرة ، فلما كان يومئذ أحدث في ثيابه ، حتى علم بذلك جلساؤه ، وكان يأكل ويشرب جاهدا لا يبصق ، ولا يتمخط (١) ولا يتنخّع (٢) ، ولا يسعل ، ولا تذرف عيناه ، ولا يمرض ، ولا يصدّع ، ولا يسقم ، ولا يهرم ، ولا يفتقر ، شاب السن ، والله عزوجل يملي له أربع مائة سنة ، فلمّا كان يوم الثعبان ، وعاين ما عاين ، أحدث ، وامتخط ، وبصق ، وأخذه الصداع والمرض ، واختلف بطنه أربعين مرة ، فلم يزل بعد ذلك يختلف حتى مات ، فلمّا عاين من أمر موسى والثعبان خاف أن يدخل قومه من ذلك الرعب مثل الذي دخله فيؤمنوا به.
قال : وأنا إسحاق ، أنا يزيد ـ يعني ـ ابن إبراهيم عن الحسن أنه قال :
لما عاين فرعون من أمر موسى والثعبان قال له فرعون : يا موسى ، ارجع يومك هذا ، وكف ثعبانك هذا يقول سرا دون أصحابه ـ وقال لأصحابه : (إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ)(٣) ، قال : فدعا موسى ، فقال له : يا موسى ألا رفقت بالأمر ، قتلت خمسة وعشرين ألفا ، بهذا أمرك ربك الذي بعثك؟ قال : يا فرعون ، أنت فعلت هذا ، يا فرعون أسألك واحدة ، وأعطيك أربعا ، قال : وما الذي تسألني؟ قال : أسألك أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وأعطيك الشباب لا تهرم ، والملك لا ينازعك فيه أحد ، والصحة لا تسقم ، والجنّة خالدا. قال فرعون : ورفع (٤) وخضع ، حتى استأمر آسية بنت مزاحم فدخل عليها فقال : يا آسية ، ألا ترين إلى موسى إلى ما يدعوني وما أعطاني؟ قالت : وما هو؟ قال : يدعوني إلى أن أعبد الله ولا أشرك به شيئا ، وأن لي الشباب فلا أهرم ، والملك لا ينازعني فيه أحد ، والصحة لا أسقم ، والجنّة خالدا ، قالت : يا فرعون ، وهل رأيت أحدا يصيب هذا فيدعه؟
قال : فخرج فدعا هامان فاستشاره ، فقال له هامان : أتعبد بعد أن كنت تعبد ، قال : فبدا
__________________
(١) الأصل : يمخط ، وفي «ز» ، وم : «يسخط» والمثبت عن د.
(٢) الأصل : «ينجع» وفي «ز» ، وم : «؟؟؟ ع» وفي د : «يتنحنح» والمثبت عن المختصر.
(٣) سورة الشعراء ، الآية : ٣٤.
(٤) يقال : رافعني فلان ، وخافضني فلم أفعل ، أي داورني كل مداورة (تاج العروس : رفع).