إن غلبنا إنّ لنا لمنزلة وفضيلة ، قال فرعون : (نَعَمْ ، وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ)(١) في المجالس والدرجة عندي ، فقالوا : أيها الملك ، واعد الرجل ، فقال : قد واعدته يوم الزينة ، وهو عيدكم الأكبر ، ووافق ذلك يوم السبت ، فخرج الناس لذلك اليوم ، فقال فرعون : اجمعوا (كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا)(٢) كلّ ألف ساحر صف ، فكانوا في قول الحسن : خمسة وعشرين صفا ، وقال الضحّاك : خمسة عشر صفا ، مع كلّ ساحر عمل ليس مع صاحبه ، وخرج موسى وهارون ، وبيد موسى عصاه في جودياءة (٣) وعباءة حتى انتهوا إلى الصفوف ، وخرج فرعون في عظماء قومه ، فجلس في مجلس له على سريره ، عليه خيمة ديباج ميل في ميل ، ومعه هامان وزيره ، وقارون بين يديه ، قد استكفّ (٤) له الناس ، واجتمعوا في صعيد واحد ، وخرج الناس يقول (٥) بعضهم لبعض : ننظر من الغالب فنكون معه ، فوقف موسى وهارون قبل السحرة ، ف (قالَ لَهُمْ مُوسى : وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً)(٦) ـ يعني ـ لا تقولوا على الله إلّا الحق ، (فَيُسْحِتَكُمْ) ـ يعني ـ فيبعثكم (بِعَذابٍ ، وَقَدْ خابَ) ـ يعني ـ وقد خسر (مَنِ افْتَرى) قال : (فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ، وَأَسَرُّوا النَّجْوى)(٧) ، فصارت السحرة يناجي كلّ واحد صاحبه سرّا ، يقول : ما هذا بقول ساحر ، ولكن هذا كلام من رب الأعلى ، فعرفوا الحق ، ثم نظروا إلى فرعون وسلطانه وبهائه ، ونظروا إلى موسى في كسائه وعصاه ، فنكسوا على رءوسهم ، و (قالُوا : إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) ، الآية كلها (٨) ، ثم قال كبيرهم : (يا مُوسى ، إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى)(٩) ، فهمّ موسى أن يلقي ، فأمسك الله يده وألقى على لسانه أن ابدءوا (١٠) فألقوا ، فألقى كل رجل منهم ما كان في يده من حبل أو عصا ، قال : إنهم أخرجوا ثلاثمائة وستين وسقا ما بين عصا وحبل ، قال : فلما ألقوا قالوا : (بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ)(١١) ـ يعني ـ بإلهية فرعون ، (إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ) ـ يعني : القاهرون ، قال : (فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ ، وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ)(١٢) ، ملئوا الدنيا في أعينهم
__________________
(١) سورة الشعراء ، الآية : ٤٢.
(٢) سورة طه ، الآية : ٦٤.
(٣) كذا بالأصل ود ،و «ز» ، وم هنا ، وتقدم قريبا : جودياء ، وهو الكساء. (راجع تاج العروس : جود).
(٤) استكفوا حوله : أحاطوا به ينظرون إليه (القاموس).
(٥) بالأصل وم ، ود ، و «ز» : ويقول.
(٦) سورة طه ، الآية : ٦١.
(٧) سورة طه ، الآية : ٦٢.
(٨) سورة طه ، الآية : ٦٣.
(٩) سورة طه ، الآية : ٦٥.
(١٠) الأصل : «ابتدوا» والمثبت عن د ، و «ز» ، وم.
(١١) سورة الشعراء ، الآية : ٤٤.
(١٢) سورة الأعراف ، الآية : ١١٦.