نؤمن لك ، ولن نرسل معك بني إسرائيل ، فإنّا كنا جزعنا من شيء كان خيرا لنا ، فأوحى الله إلى موسى أن صلّ ركعتين ، ثم أشر بعصاك إلى نحو المشرق والمغرب ، ففعل موسى ، فأرسل الله عليهم الجراد من الأفقين أمثال الغمام المظلم الأسود ، حتى امتلأت (١) أرضهم ، وحال الجراد بينهم وبين السماء ، حتى صارت الشمس كأنها في سحاب ، قال : فأقبلت الجراد ، فلحست ما أنبت الله من الزرع والكلأ حتى لم يذر منه شيئا ، ثم توجهت نحو النخل والشجر ، فجعلت تستقبل النخلة العظيمة فتأكلها حتى تحفرها عن عروقها ، فيستقبل بعضها الشجرة العظيمة المثمرة ، فيقع بعضها في أعلاها ، وبعضها في أسفلها. فتأكلها حتى ما يرى فيها عود ولا ورقة ، ويسمع (٢) لها قضيم (٣) مثل قضيم ، ثم تبتلعه كما يبتلع الجمل اللقمة ، فما ينكشف الجراد عن شيء وقع عليه إلّا صار ذلك المكان كأنما حرث بالبقر.
قال : ونا إسحاق ، أنا مقاتل بن سليمان ، عن الضّحّاك وعطاء عن ابن عبّاس.
أن الجراد كان يأكل الأبواب والخشب ومسامير الأبواب ، ويقع في دورهم ومساكنهم ، فلا يستطيع أحد منهم الخروج من بيته إلّا أكله الجراد ، وثيابهم وشعورهم قال : وثبت الجراد عليهم ثمانية أيام ولياليهن ، لا يرون الأرض حتى ركب الجراد بعضه بعضا ذراعا من الأرض ، قال : فصرخ أهل مصر إلى فرعون ، فقالوا : يا سيّدنا ، إنّ هذا لا تقوم له حيلتنا ، وكلّ مصيبة أهون علينا من الجوع ، وإنّه متى أصابنا الجوع ظهر علينا عدوّنا ، فصار بعضنا خدما لبعض ، وإنّا لم نر ساحرا قط مثله ، إنّ سحره لم يزل يعظم حتى بلغ ما ترى ، فادعه وعجّل قبل الهلاك ، قال : فأرسل فرعون إلى موسى ، فأتاه ، فقال له : (يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ، ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ)(٤) ، نحلف لك يا موسى (لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا) هذا (لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ)(٥) ، قال : فدعا موسى ربّه ، فأرسل الله ريحا شديدة فاحتملت الجراد فألقته في البحر ، وانكشفت لهم الأرض ، فلمّا نظر أهل مصر إلى الأرض ، فإذا هم قد بقي من زروعهم وكلئهم ما يكفيهم عامهم ذلك ، وذلك في أرض لم تصل إليه الجراد ، فأتوا موسى ونكثوا العهد ، وقالوا : بقي لنا منه ما نكتفي به سنتنا هذه ، فلن نؤمن معك ، ولن نرسل
__________________
(١) في «ز» ، وم ، ود : امتلت.
(٢) الأصل : وسمع ، وفي «ز» ، ود : «ومسمع» وفي م : «ونسمع» والمثبت عن المختصر.
(٣) كذا بالأصل و «ز» ، ود ، وفي م : «قضيم ثم تبتلعه» وفي المختصر : «قضم ثم تبتلعه» وفي د : قضيم مثل قضيم (بعدها بياض بمقدار لفظة) ثم تبتلعه.
(٤) سورة الزخرف ، الآية : ٤٩.
(٥) سورة الأعراف ، الآية : ١٣٤.