معك بني إسرائيل ، فلمّا علم الله ذلك من كفرهم أمر الله موسى أن امش إلى كثيب في ناحية كذا وكذا من أرض مصر ، فاضربه بعصاك ثم انكته (١) من نواحيه ، فانطلق موسى إلى ذلك الكثيب ، فضربه بعصاه ، فخرج عليهم مثل القمّل ـ وقال بعضهم : البراغيث ـ والقمّل هو الدبا من الجراد ، حتى خرج شيء لا يحصى عدده إلّا الله حتى امتلأت البيوت والأطعمة ومنعهم من النوم والقرار ، فكان الرجل منهم لا يقرّ ليله ولا نهاره ، ويصيح كهيئة المجنون قد اعترتهم الحكّة ، وأقبلت على بقية الزرع فأكلته حتى أخرجته من عروقه ، قال : فصرخ أهل مصر إلى فرعون : إنّا قد هلكنا جوعا إن لم ترسل إلى هذا الساحر يدعو لنا ربه أن يكشف عنّا هذا العذاب ، فأرسل فرعون إلى موسى ، فأتاه ، فقال له : (يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ، ادْعُ لَنا رَبَّكَ) يكشف عنا هذا العذاب ، فإن فعل آمنا بك ، وأرسلنا (مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ) ، قال موسى : قد كنت حلفت وأعطيتني عهدا إن كشف الله عنكم لتؤمنن بي ، ولترسلنّ معي بني إسرائيل ، قال : قد كان ذلك فيما مضى ، ولكن المرة ادع لنا ، قال موسى : لا أدعو لكم ما سميتموني ساحرا ، فقال : يا موسى ، ادع لنا ربك ، قال : فدعا موسى ربّه ، فأمات القمل ، فلم يبق منه بأرض مصر شيء ، فلمّا أن علم القوم أنه لم يبق لهم ما يعيشون به أتوا فرعون فجعلوا يتوامرون (٢) ما ذا يصنعون بموسى ، قال : فاتفق أمرهم على أنه ساحر ، وإنّما غلبهم بسحره ، قال : فدعا فرعون موسى (٣) ، فقال : يا موسى ، إن لم نؤمن لك هل يستطيع ربّك أن يفعل بنا شرّا مما فعل ، فلن نؤمن لك ، ولن نرسل معك بني إسرائيل ، فلمّا علم الله نكثهم (٤) أوحى الله إلى موسى أن يأتي البحر ثم يشير بعصاه ، ففعل موسى ، فأرسل الله عليهم الضفادع ، فتداعت الضفادع بعضها بعضا حتى أسمع أدناها أقصاها ، وما فوق الماء منها وما تحته ، فخرج كلّ ضفدع خلقه الله في البحر ، فلم يشعر الناس إلّا والأرض مملوءة ضفادع ، ثم توجّهت نحو المدينة ، فدبّت في أرضهم وبيوتهم ومجالسهم وأجاجيرهم (٥) وفرشهم وأفنيتهم ، وامتلأت الأطعمة والآنية ، وكانوا لا يمشون ولا يقعدون إلّا على الضفادع ، وكان الرجل منهم لا يكشف عن ثوب ولا قدر ولا عن آنية إلّا وجد فيه ضفادع ميتة ، حتى إنّ الرجل كان ينام على فراشه مع أهله فإذا انتبه من نومه وجد عليه من الضفادع ما لا يحصى ، وقد ركب بعضها
__________________
(١) الأصل ود و «ز» ، وم : انكثه.
(٢) أي يتشاورون.
(٣) من هنا سقط في «ز» ، سنشير إلى نهايته في موضعه.
(٤) وهو قوله تعالى : (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ).
(٥) الأجاجير واحدها إجّار ، وهو السطح الذي ليس حوله ما يردّ الساقط عنه (راجع اللسان).