ثم أقبل على ابنه الوليد فقال : لا ألفينك إذا متّ تجلس تعصر عينيك وتحنّ حنين الأمة ، ولكن شمّر وائتزر والبس جلد نمر ، ودلّني في حفرتي ، وخلّني وشأني ، وعليك وشأنك ، ثم ادع الناس إلى البيعة فمن قال هكذا فقل بالسيف هكذا.
ثم أرسل إلى عبد الله بن يزيد بن معاوية وخالد بن أسيد فقال : هل تدريان لما بعثت إليكما؟ قالا : نعم ، لترينا أثر عافية الله إياك قال : لا ، ولكن حضر من الأمر ما تريان ، فهل في أنفسكما من بيعة الوليد شيء؟ فقالا : لا والله ما نرى أحدا أحقّ بها منه بعدك يا أمير المؤمنين ، قال : أولى لكما ، أما والله لو غير ذلك قلتما لضربت الذي فيه أعينكما ، ثم رفع فراشه (١) فإذا السيف مشهور ، ولم يزل بين مقالتين حتى فاظ ، مقالته الأولى (٢) : فهل من خالد إما هلكناه وهل بالموت يا للناس عار ومقالته الثانية : الحمد لله الذي لا يبالي من (٣) أخذ من خلقه وترك ، صغيرا (٤) أو كبيرا حتى مات ، فسجّاه الوليد ، وكان هشام أصغر ولده فقال (٥) :
وما كان قييس هلكه هلك واحد |
|
ولكنه بنيان قوم تهدما |
فلطمه الوليد ثم قال له : اسكت يا بن الأشجعية فإنك أحول أكشف ، تنطق بلسان شيطان ، ألا قلت (٦) :
إذا مقرم منا ذرى حدّ نابه |
|
تخمّط منا ناب آخر مقرم |
قال مسلمة : إياكم والضجاج ، فإنكم إن صلحتم صلح الناس ، وإن فسدتم كان الفساد أسرع ، ثم قال :
لقد أفسد الموت الحياة وقد أتى |
|
على شخصه يوم عليّ عصيب |
فإن تكن أيام أحسن مرّة |
|
إليّ فقد عادت لهن ذنوب |
أتى بعد حلو العيش حتى أمرّه |
|
نكوب على آثارهن نكوب |
__________________
(١) الأصل وم : برأسه ، والمثبت عن «ز» ، والجليس الصالح.
(٢) البيت لعدي بن زيد ، انظر ديوان عدي ص ١٣٢.
(٣) كتبت فوق الكلام بين السطرين بالأصل.
(٤) الأصل : صغير ، والمثبت عن «ز» ، وم ، والجليس الصالح.
(٥) سيأتي البيت قريبا.
(٦) البيت لأوس بن حجر ، ديوانه ص ١٢٢ (ط. بيروت ـ صادر).