فقال سليمان : مات والله أمير المؤمنين ، وصار في منزلة هو فيها والذليل الضعيف سواء ، ثم صعد المنبر الوليد ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، وصلّى على النبي صلىاللهعليهوسلم ثم قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، يا لها مصيبة ، ما أعظمها وأفظعها وأخصها وأعمّها ، وأوجعها ، موت أمير المؤمنين ، ويا لها نعمة ما أعظمها وأجسمها وأوجب الشكر لله عليّ فيها ، خلافته التي سربلنيها ، فكان أول من عزّى نفسه وهنأها بالخلافة ، ثم قال : انفضوا فبايعوا على بركة الله ، فلما بايعه الناس جلس مجلس عبد الملك وجمع أهل بيته ثم قال (١) :
انفوا الضغائن والتحاسد بينكم |
|
عند المغيب وفي الحضور الشّهد |
فصلاح ذات البين طول بقائكم |
|
إن مدّ في عمري وإن لم يمدد |
فلمثل ريب الدهر ألف بينكم |
|
بتواصل وتراحم وتودد |
وانفوا الضغائن والتخاذل (٢) بينكم |
|
يتكرم وتوازر وتغمد |
حتى تلين جلودكم وقلوبكم |
|
لمسوّد منكم وغير مسوّد |
إن القداح إذا اجتمعن فرامها (٣) |
|
بالكسر ذو حنق وبطش أيد |
عزّت فلم تكسر وإن هي بدّدت |
|
فالوهن والتكسير للمتبدّد |
قال القاضي : قوله : تحنّ (٤) حنين الأمة : الحنين : البكاء ، وقيل : صوت البكاء كما قال الشاعر :
فلا تبكوا علي ولا تحنّوا |
|
بقول الإثم إنّ الإثم حوب |
وتمثّل هشام بالبيت الذي ذكره فإنه لعبدة بن الطبيب (٥) قاله في قيس بن عاصم يرثيه في شعر له وهو (٦) :
عليك سلام الله قيس بن عاصم |
|
ورحمته ما شاء أن يترحما |
_________________
(١) وردت الأبيات التالية في التعازي والمراثي على أنّها جزء من وصيّة عبد الملك ، ووردت في مروج الذهب أيضا على أنّها من وصية عبد الملك لكن الوليد كان كثير الإنشاد لها.
(٢) بالأصل : والتحاسد ، والمثبت عن «ز» ، وم ، والجليس الصالح.
(٣) الأصل وم : قوامها ، والمثبت عن «ز» ، والجليس الصالح.
(٤) كذا بالأصل وهنا وفيما سبق : تحن حنين .. بالحاء المهملة ، وفي «ز» ، وم هنا : تخن خنين الأمة ، وجاءت في الشعر أيضا فيهما بالخاء المعجمة. وكلاهما بمعنى البكاء ، راجع تاج العروس. في مادتي : حن ، وخن.
(٥) الأصل وم و «ز» : الطيب.
(٦) راجع عيون الأخبار ١ / ٢٨٧ والأغاني ١٤ / ٨٣.