٢ ـ أما الغلو غير المقبول فيتمثل في المعنى الذي يمتنع عقلا وعادة مع خلوه من أدوات التقريب التي تدنيه إلى الصحة والقبول. فمن أمثلة ذلك قول المتنبي مادحا :
فتى ألف جزء رأيه في زمانه |
|
أقل جزيىء بعضه الرأي أجمع (١) |
فعلى ما في البيت من بعض التعقيد الناشىء عن التقديم والتأخير الذي اقتضاه الوزن يريد المتنبي أن يقول : إن هذا الممدوح فتى رأيه في أحوال زمانه بقدر ألف جزء ، وأقل جزء من هذه الأجزاء يعادل جزء منه كل ما لدى الناس من الرأي.
فوجود إنسان رأيه على النحو الذي صوره الشاعر ممتنع عقلا وعادة ، وهو غلو غث لا يدعو إلى الإعجاب به بل إلى التعجب منه!
ومنه أيضا مادحا :
ونفس دون مطلبها الثريا |
|
وكف دونها فيض البحار |
ومنه قول أبي نواس في وصف الخمر :
فلما شربناها ودب دبيبها |
|
إلى موضع الأسرار قلت لها : قفي |
مخافة أن يسطو علي شعاعها |
|
فيطلع ندماني على سري الخفي |
فسطوة شعاع الخمر عليه بحيث يصير جسمه شفّافا يظهر لنديمه ما في باطنه لا يمكن عقلا ولا عادة ، فهو غلو مفرط.
* * *
ومراتب القبول في الغلو تتفاوت إلى الحد الذي تؤول بقائلها إلى الكفر ، فمن ذلك قول أبي نواس مادحا :
__________________
(١) ترتيب البيت هكذا : فتى رأيه في زمانه ألف جزء أقل جزء من هذه الأجزاء بعضه ـ أي بعض جزيء من رأيه الرأي الذي في أيدي الناس كله.