والشام خاصة في عصره وبعد عصره ، وقد أدى الإعجاب بها والمبالغة في استعمالها والإكثار منها والتكلف فيها إلى إفساد الكثير من شعر المتأخرين وإحالته إلى رياضة ذهنية وحيل لفظية ينطبق عليها قول القائل :
وما مثله إلا كفارغ بندق |
|
خلى من المعنى ولكن يفرقع! |
التقسيم
التقسيم فن من فنون البديع المعنوي ، وهو في اللغة مصدر قسمت الشيء إذا جزّأته. أما في الاصطلاح فاختلفت فيه العبارات ، والكل راجع إلى مقصود واحد.
ومن أوائل من عرض له أبو هلال العسكري وفسره بقوله : «التقسيم الصحيح : أن تقسم الكلام قسمة مستوية تحتوي على جميع أنواعه ، ولا يخرج منها جنس من أجناسه ، فمن ذلك قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً ،) وهذا أحسن تقسيم لأن الناس عند رؤية البرق بين خائف وطامع ، ليس فيهم ثالث» (١) وقد قدم الخوف على الطمع لأن الأمر المخوف من البرق يقع في أول برقه ، والأمر المطمع إنما يقع من البرق بعد الأمر المخوف. وذلك ليكون الطمع ناسخا للخوف ، لمجيء الفرج بعد الشدة.
وذكر ابن رشيق القيرواني أن الناس مختلفون فيه : «فبعضهم يرى أنه استقصاء الشاعر جميع أقسام ما ابتدأ به ، كقول بشار يصف هزيمة :
بضرب يذوق الموت من ذاق طعمه |
|
وتدرك من نجى الفرار مثالبه |
فراحوا : فريق في الأسار ، ومثله |
|
قتيل ، ومثل لاذ بالبحر هاربه |
__________________
(١) كتاب الصناعتين ص ٣٤١.