(فَفَزِعَ) بلفظ الماضي بعد قوله (يُنْفَخُ) وهو مستقبل ، للإشعار بتحقيق الفزع ، وأنه كائن لا محالة ، لأن الفعل الماضي يدل على وجود الفعل وكونه مقطوعا به.
ومن أمثلة الالتفات بالإخبار بالفعل الماضي عن المستقبل أيضا قوله تعالى : (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً.) وإنما قيل (وَحَشَرْناهُمْ) ماضيا بعد «نسيّر وترى» وهما مستقبلان للدلالة على أن حشرهم قبل التسيير والبروز ليشاهدوا تلك الأحوال ، كأنه قال : وحشرناهم قبل ذلك لأن الحشر هو المهم ، لأن من الناس من ينكره كالفلاسفة وغيرهم ، ومن أجل ذلك ذكر بلفظ الماضي.
فالعدول بالالتفات عن صيغة من الألفاظ إلى صيغة لا يكون ، كما رأينا ، إلا لنوع من الخصوصية اقتضت ذلك. وهذه أمر لا يتوخاه في كلامه إلا المتمرس بفن القول والعارف بأسرار الفصاحة والبلاغة (١).
الجمع
الجمع : هو أن يجمع بين متعدد في حكم واحد ، أو هو أن يجمع المتكلم بين شيئين فأكثر في حكم واحد ، كقوله تعالى : (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا ،) فقد جمع الله سبحانه وتعالى المال والبنون في الزينة.
ومنه قوله تعالى : (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ)(٢). فجمع بين الشمس والقمر في الحسبان أي الحساب
__________________
(١) انظر في هذا الموضوع كتاب المثل السائر لا بن الأثير ص ١٦٧ ـ ١٧٣.
(٢) الحسبان بضم الحاء كالغفران : الحساب الدقيق ، والنجم هنا : النبات الذي ينجم أي يظهر من الأرض ولا ساق له ، والشجر : النبات الذي له ساق وله أغصان ، ويسجدان : أي ينقادان لما أراده الله سبحانه منهما.