وقول الخنساء وهو من أرق ما سمع في هذا الباب :
إن البكاء هو الشفا |
|
ء من الجوى بين الجوانح |
ومما تجدر ملاحظته هنا أن بين المطرف والمذيل التقاء من وجه وافتراقا من وجه ، فهما يلتقيان في أن كليهما زيادة في طرف أحد ركني الجناس ، ويفترقان في أن زيادة المطرّف حرف واحد ، أما المذيل فتكون الزيادة فيه بأكثر من حرف.
* * *
ج ـ وإن اختلف اللفظان في هيئة الحروف الحاصلة من الحركات والسكنات والنقط ، فإن الجناس يأتي فيه على ضربين : محرّف ، ومصحف.
١ ـ فالجناس المحرّف : هو ما اتفق ركناه ، أي لفظاه في عدد الحروف وترتيبها ، واختلفا في الحركات فقط سواء كانا من اسمين أو فعلين أو من اسم وفعل أو من غير ذلك ، فإن القصد اختلاف الحركات.
ومن أمثلته في القرآن الكريم قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ). ولا يقال هنا إن اللفظين متحدان في المعنى لأنهما من «الإنذار» فلا يكون بينهما جناس ، فاختلاف المعنى ظاهر ، إذ المراد باللفظ الأول (مُنْذِرِينَ) الفاعلون وهم الرسل ، وبالثاني (الْمُنْذَرِينَ) المفعولون ، وهم الذين وقع عليهم الإنذار.
ومنه قول الرسول صلوات الله عليه : «اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي». ومنه قولهم : «جبة البرد جنة البرد» (١) وكذلك قولهم : «الجاهل إما مفرط أو مفرّط» الأول اسم فاعل من الإفراط وهو تجاوز
__________________
(١) وقع الاختلاف بين البرد والبرد ، لأن الباء في الأول مضمومة ويراد بها الثوب وفي الثاني مفتوحة وهو ضد الحر. والجنة بضم الجيم : الوقاية.